كانت الفصول الأربعة عند الإنسان ما قبل الميلاد محطات خصبة للتفكير في هذا التقلب المناخي ، ونسجوا حوله الأساطير والخرافات الكثيرة التي حاولوا من خلالها تفسير هذه الظواهر الطبيعية ، ومع مرور الزمن أصبح لكل فصل من الفصول احتفالاته الخاصة من خلال نظرة المجتمع إليه.
في القرن الثالث قبل الميلاد بدأ الإنسان يحتفل بعيد الربيع ، بعد أن اتخذه رمزا للخصب والولادة واستمرت القبائل الجرمانية بالاحتفال بهذا العيد ضمن طقوس وممارسات وثنيه حتى القرن الثاني للميلاد.
لم ترض الكنيسة على هذه الممارسات ولم تحاول التدخل بالقوة لمنعها ، بل فكر آباء الكنيسة في تحويل هذه العادات الوثنيه بهدوء إلى ممارسات تتناسب والديانة المسيحية ، مع الإبقاء على فكرة عيد الربيع والاحتفال به ضمن طقوس ترضى عنها الكنسية.
بقيت الكنسية تراقب هذا الاحتفال الوثني وهي غير راضية عنه وتفكر في طريقة تنقذ رعاياها من هذه الطقوس ، إلى أن انتبه المبشرون إلى توافق التاريخ باحتفال الربيع الوثني ، مع الفترة التي تعتقد الديانة المسيحية بان معجزة قيامة السيد المسيح من الموت ، قد حدثت فيها فاخذوا يمارسون شعائر القيامة في ظل الفصح الوثني إلى أن صدر قانون الفصح عن اجتماع نيكايا الذي دعا إلى عقده الإمبراطور قسطنطين عام م325 ، وتحدد زمن الاحتفال بالفصح المسيحي بحيث يكون في أول يوم أحد بعد الاعتدال الربيعي.
منذ عام م325 والكنيسة تحتفل بعيد الفصح ضمن طقوس دينية ، واعتاد الناس على توزيع الحلوى في هذا الاحتفال حتى القرن التاسع عشر حيث بدؤوا بتبادل البيض الملون بأوراق ذهبية ، محيين بذلك عادة قديمة سبقت الفصح بعدة قرون فقد اتخذ المصريون البيض رمزا للولادة والخصب واستمرار الحياة ، وكانوا يتهادون البيض حتى وصل بهم الأمر إلى دفن البيض في قبور موتاهم ، وفعل الإغريق والرومان كذلك إيمانا منهم بالأسطورة التي تقول – إن الحياة تأتي من البيضة.
يسبق عيد الفصح المجيد عند المسيحيين الصيام عن كل منتج حيواني ، لهذا يفسر البعض أن البيض هو أول منتج حيواني يتناوله الصائم ، إضافة إلى رمزه للميلاد توافقاً مع قيامة السيد المسيح عليه السلام.
تفنّن الناس في الرسم على البيض أو تغليفه فقد قام الصائغ الشهير بيتر كارل بصناعه أثمن بيض الفصح عام م1880 من الذهب ، وقد صنع ثلاثة وأربعين بيضه يقدر ثمنها بأربعة ملايين دولار ، وهي ما تزال محفوظة حتى اليوم في متاحف العام.
وتلوين البيض هو تقليد بالغ في القدم ،يبلغ من العمر اليوم خمسة آلاف سنة ، مارسه المصريون القدماء للإحتفال بأقدم أعياد البشرية على الإطلاق، وهو عيد شم النّسيم…. عيد قدوم الرّبيع.
ومن مظاهر الإحتفال بهذا العيد: ركوب القوارب في نهر النيل والغناء وتجميل المنازل بالزهور و تلوين البيض.
كان الفراعنة يقومون بتلوين بيض الحمام أو الإوز أو البط ، وأحياناً بيض النعام الكبير الحجم ، وكانوا يزخرفونه بالنّقوش الفرعونية الموجودة في المعابد والبرديات القديمة .
ولأنّ حياةً تنبثق من البيض ،فقد اختاره الفراعنة ليكون تقليداً راسخاً في عيد شم النّسيم – عيد الرّبيع وتجدد الحياة – كما تعددت صور تلوينه والرّسم على قشرته الرّقيقة برسومات بالغة الدّقة.
أما البيض الذّي نقوم بتلوينه اليوم ، وهو بيض الدّجاج ، فقد عرفه المصريون القدماء من الفرس في القرن الخامس قبل الميلاد.
يرتبط فن زخرفة وتلوين البيض لدى بعض الشعوب، ومنها شعوب وسط أوروبا، بعيد الفصح. وتعود جذور هذه العادة إلى العهود الوثنية، عندما احتفل الناس بقدوم الربيع وعودة الخصب. واستعملوا في الاحتفال البيض الملون الذي يمتلك دلالة رمزية على الخصب كما هو معروف. إذ عثر على بقايا بيض مزخرف في قبور تعود إلى فترة ما قبل انتشار الديانة المسيحية التي أعطت هذه العادة محتوى دينياً جديداً.
وحسب العادة الشعبية اليوم تهدي الفتيات البيض الملون إلى الفتيان خلال عيد الفصح، وفي بعض المناطق يجري تقديم البيض في الأحد الذي يلي عيد الفصح. وخلال الإحتفال يقوم الأولاد من مختلف الأعمار في يوم إثنين الفصح برش البنات بقليل (أو كثير) من الماء بعد إنشاد أبيات شعرية خاصة بهذه المناسبة جوهرها انبعاث الربيع والحياة والخصب، بالمقابل يحصلون على البيض الملون وبعض الشراب والكعك أو النقود في بعض الأحيان. وكان البيض الملون في السابق يوضع في صحن مع معجنات مالحة ويقدم إلى الشباب.
وتختلف الألوان المستعملة والمواضيع المرسومة على البيض من منطقة لأخرى. ويتميز بعض المناطق المجرية بغنى الألوان والزخارف المستعملة تقليدياً، خصوصاً في منطقة باتا عند الدانوب (وسط) وقد اشتهرت هناك الفنانة السيدة هوساك (وتحترف تلوين البيض منذ سنة 1960)، وكذلك عند الأقلية المجرية كبيرة العدد في منطقة ترانسلفانيا برومانيا اليوم، وكذلك عند مجريي التشانغو في منطقة مولدافيا (وهي مجموعة مجرية بعيدة عن التجمعات المجرية الكبيرة، ولذلك حافظت على أقدم طبقة من طبقات الفنون الشعبية والتراث الشفوي المجري).
وفي الأصل كان تزيين قشر البيض يتم من دون تفريغه من الزلال والصفار، غير أن تزيين القشر الفارغ انتشر كثيراً. ويجري إفراغ المحتوى بالنفخ بعد صنع ثقبين صغيرين في طرفي البيضة. ويستعمل الفنانون أنواعاً مختلفة من البيض، كبيض الأوز والبط، وفي بعض الأحيان يفضلون بيض النعام وما شابه من الطيور لكبره وصلابة قشرته. والطريقة التقليدية الشائعة للصبغ باللون الأحمر هي وضع البيضة المرسومة بالشمع في ماء مغلي مع قشور البصل.