تفسير قوله تعالى ” وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله ”
[ ص: 480 ] ( وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون ( 170 ) ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون ( 171 ) )
يقول تعالى : ( وإذا قيل ) لهؤلاء الكفرة من المشركين : ( اتبعوا ما أنزل الله ) على رسوله ، واتركوا ما أنتم فيه من الضلال والجهل ، قالوا في جواب ذلك : ( بل نتبع ما ألفينا ) أي : وجدنا ( عليه آباءنا ) أي : من عبادة الأصنام والأنداد . قال الله تعالى منكرا عليهم : ( أولو كان آباؤهم ) أي : الذين يقتدون بهم ويقتفون أثرهم ( لا يعقلون شيئا ولا يهتدون ) أي : ليس لهم فهم ولا هداية ! ! .
وروى ابن إسحاق عن محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : أنها نزلت في طائفة من اليهود ، دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام ، فقالوا : بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا . فأنزل الله هذه الآية .
ثم ضرب لهم تعالى مثلا كما قال تعالى : ( للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ) [ النحل : 60 ] فقال : ( ومثل الذين كفروا ) أي : فيما هم فيه من الغي والضلال والجهل كالدواب السارحة التي لا تفقه ما يقال لها ، بل إذا نعق بها راعيها ، أي : دعاها إلى ما يرشدها ، لا تفقه ما يقول ولا تفهمه ، بل إنما تسمع صوته فقط .
هكذا روي عن ابن عباس ، وأبي العالية ، ومجاهد ، وعكرمة ، وعطاء ، والحسن ، وقتادة ، وعطاء الخراساني والربيع بن أنس ، نحو هذا .
وقيل : إنما هذا مثل ضرب لهم في دعائهم الأصنام التي لا تسمع ولا تبصر ولا تعقل شيئا ، اختاره ابن جرير ، والأول أولى ; لأن الأصنام لا تسمع شيئا ولا تعقله ولا تبصره ، ولا بطش لها ولا حياة فيها . وقوله : ( صم بكم عمي ) أي : صم عن سماع الحق ، بكم لا يتفوهون به ، عمي عن رؤية طريقه ومسلكه ( فهم لا يعقلون ) أي : لا يعقلون شيئا ولا يفهمونه ، كما قال تعالى : ( والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات من يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم ) [ الأنعام : 39 ] .