مواضيعتعليمعلماءمن هو جابر بن زيد اليحمدي

من هو جابر بن زيد اليحمدي

بواسطة : admin | آخر تحديث : 15 مارس، 2021 | المشاهدات: 521

جابر بن زيد اليحمدي

بحر العلم، وسراج الدين، أصل المذهب، وأسّه الذي قامت عليه آطامه أبو الشعثاء جابر بن زيد اليحمدي الأزدي الجوفي البصري.
تابعي كبير، وفقيه محدّث، وإمام الإباضِيَّة الأول، ينسب إلى جوف الخميلة.

نشأته وعلمه

وُلِدَ سنة 18هـ بـ”فرق” في نزوى من داخلية عمان؛ ونشأ في أحضان عائلة علم ورواية.
ولما بلغ أشده واستوى، قصد البصرة كعادة كثير من أهل بلاده، متنقلا بينها وبين الحجاز وعمان.
روى الحديث عن ثلة من خيرة الصحابة، منهم عائشة أم المؤمنين، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن مسعود، وأنس بن مالك، وعبد الله بن الزبير، وجابر بن عبد الله، وأبو هريرة، وأبو سعيد الخدري وغيرهم-رضِيَ اللَّه عنهم أجمعين-.
عدَّ أبو حاتم الرازي جابرًا من كبار تلاميذ ابن عباس -رضِيَ اللَّه عنه-، يقول جابر عن نفسه: “أدركت سبعين بدريًا فحويت ما عندهم إلا البحر الزاخر”-يعني عبد الله بن عباس-.
ومما يدل على حرص الإمام جابر على تتبع كل ما يمكنه من هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما روي عنه أنَّه سأل السيدة عائشة -رضِيَ اللَّه عنها- عن مقدمات الجماع، يقول الإمام أبو سفيان محبوب بن الرُّحَيل: “دخل جابر بن زيد على عائشة -رضِيَ اللَّه عنها-، قال: فأقبل يسألها عن مسائل لم يسألها عنها أحد حتى سألها عن جماع النبي -صَلَّى اللَّه عليهِ وسَلَّم- كيف كان يفعل؟، وإن جبينها يتصبب عرقًا وتقول: سل يا بني”.

تلاميذه

من أشهر تلامذته: خليفته أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة، وضمام بن السائب، وقتادة شيخ البخاري، وعمرو بن دينار، وأيوب بن أبي تميمة كيسان، وتميم بن حويص الأزدي، وحيان الأعرج، وعاتكة بنت أبي صفرة، وجعفر السمّاك وسلمة بن سعد الحضرمي الداعية الكبير- الذي كان يقول في مبدأ أمره: “وددت أن يظهر هذا الأمر يومًا واحدًا فما أبالي أن تضرب عنقي”- وغيرهم كثير، وقد تتبع أحد الباحثين عدد رواته فبلغوا نحوًا من السبعين مِمَّن حُفظت تراجمهم.
عُرِف الإمام جابر بالزهد والورع، وكان كما وصفه ابن سيرين: “مسلمًا عند الدينار والدرهم”، همُّه الدعوة إلى سبيل الله وطلب العلم ونشره، وكثرة الأسفار في سبيله، شهد له خلق كثير بعلمه وفضله.
كان غاية في الأخلاق وحسن العشرة، فذات مرة: خرجت زوجه آمنة إلى الحج ولم يخرج معها تلك السنة، فلَمَّا رجعت سألها عن كريها (صاحب القافلة) فذكرت سوء الصحبة ولم تثن عليه بخير، فخرج إليه جابر وأدخله دارًا، واشترى لإبله علفًا وعولج له طعام، واشترى له ثوبين كساه بهمًا، ودفع له ما كان مع آمنة من قربة وأداة وغير ذلك، فقالت آمنة لزوجها جابر: أخبرتُكَ بسوء الصحبة ففعلتَ ما أرى، فقال لها: أفنكافئه بمثلِ فِعله فنكون مثله، لا بل نكافيه بالإساءة إحسانًا وبالسوء خيرًا.
وهو صاحب صلات قوية بعلماء عصره كعكرمة مولى ابن عباس ومحمد بن سيرين وصديقه الحميم الحسن البصري.
لم تقتصر دعوة الإمام جابر على فئة دون أخرى في المجتمع، وكان للنساء نصيب منها، تقول هند بنت المهلب: “كان جابر بن زيد أشد الناس انقطاعًا إلي وإلى أمي، وكان لا يعلم شيء يقربني إلى الله -عزَّ وجلَّ- إلا أمرني به، ولا شيء يباعدني عنه إلا نهاني عنه، وكان ليأمرني أين أضع الخمار”، وتضع يدها على جبهتها.[بتصرف]
وقد كان اشتغال الإمام بالفقه والتنظير فانصرف لذلك عن ظهوره أمام الناس زعيما سياسيا، ومع ذلك لم يغب عن المشهد السياسي في عصره، فارتبط بالمحكمة الأوائل كالإمام الشهيد أبي بلال مرداس بن حدير، وقد كان بلال من شوقه يخرج من عند أبي الشعثاء جابر بن زيد بعد العتمة، ثمَّ يأتيه قبل الصبح فيصلي معه، فيقول له جابر: يا أخي شققت على نفسك، فيقول: والله لقد طال ما هبت نفسي بلقاك شوقًا إليك حتى آتيك، كما أنَّ عبد الله بن إباض لا يصدر إلا عن رأيه، وقد عرض له الحجاج والي العراق القضاء فأبى، ومع سياسة الإمام جابر الحذرة تجاه الدولة كان حريصًا على وحدة المسلمين وجمع شملهم فكان يصلي الجمعة خلف الجبابرة ويأمر أصحابه بذلك ويقول: إنها صلاة جامعة وسنة متبعة.
يقول يحيى بن معين: “وكان جابر بن زيد إباضِيَّا”، فالإمام جابر صاحب مدرسة فكرية مستقلة تعد أقدم المذاهب الإسلاميَّة، فإليه ترجع جذور تنظير قواعد أهل الحق والاستقامة أو ما عرفت بعد ذلك بالإباضِيَّة وفق أسس علمية رصينة ومنهج مدروس وتنظيم محكم قائم على السرية والكتمان وإعداد الدعاة، وعدم الاصطدام المباشر بالدولة الأموية، ورغم ذلك فقد تعرض الإمام للسجن والأذى والنفي من قبل ولاتها.
وفي ظلِّ تلك الشدة كان رحمه الله مرجع الفتوى في البصرة، يشهد له شيخه الإمام البحر ابن عباس -رضِيَ اللَّه عنه- بقوله: عجبًا لأهل العراق يسألوننا وفيهم جابر بن زيد، لو سأله أهل الأرض لوسعهم علمه، وقال عمرو بن دينار: ما رأيت أحدًا أعلم بالفتيا من جابر بن زيد.
كان جابر بن زيد إمامًا في التفسير والحديث والفقه؛ ترك موسوعة علمية نفيسة تعرف بـ”ديوان جابر” في مختلف فنون الشريعة ذكرها بعضهم في سبعة أحمال، وهو أول من جمع الحديث في ديوان، ومن أوائل المؤلفين في الإسلام، إلا أنَّ ديوانه ضاع، وبقيت بعض فتاواه، وما رواه عنه تلاميذه من بعده كمسند الإمام الربيع بن حبيب ومدونة أبي غانم الخراساني، وله مراسلات مع أصحابه من أهل الدعوة تظهر فيها حكمته وحسن تدبيره.

وفاته

قال الصحابيُّ الجليل أنس بن مالك بعد وفاته -وقد تُوفِّيَا في أسبوع واحد- سنة 93هـ: “مات أعلم من على ظهر الأرض”.
وقال قتادة: “اليوم مات عالم العرب”، وصلى عليه قطن بن مدرك الكلابي.
ولما دُفِن وقف الحسن البصري على قبره فقال:” اليوم دفن رباني هذه الأمة”.

الكلمات المفتاحية: