هو العلَّامَة المحقِّق أبو محمد سعيد بن خلفان بن أحمد بن صالح الخليلي الخروصي، ينتهي نسبه إلى الإمام الخليل بن شاذان بن الإمام الصلت بن مالك.
وُلِدَ سنة 1226 في بوشر، ونشأ نشأة مباركة في ظلِّ التقوى والورع، فطلب المحامد ومعالي الأمور فنالها.
تُوفِّيَ والده وهو صغير فكفله جده أحمد بن صالح فتعلم على يد جده وكذا الشَّيخ سعيد بن عامر الطيواني ثمَّ ارتحل إلى منطقة “الباطنة” فتعلم عند الشَّيخ حماد بن محمد البسط ثمَّ إلى وادي بني خروص عند العلَّامَة ناصر بن أبي نبهان.
كما تتلمذ عليه خلق كثير منهم: الشَّيخ صالح بن علي الحارثي، والشَّيخ جمعة بن خصيف الهنائي، والشَّيخ عبد اللَّه بن محمد الهاشمي والشَّيخ محمد بن خميس السيفي وغيرهم.
سعى جهده في إقامة العدل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فكان من الأعضاء الرئيسين في انتخاب الإمام عزان بن قيس في ثورته (1869 – 1871هـ) إلى جانب العالمين الفاضلين صالح بن علي الحارثي ومحمد بن سليم الغاربي، فكان الإمام عزان لا يصدر إلا عن رأيه ولا يتقدمه في شيء.
لقَّبه العلماء بالمحقِّق لشهرته بتحقيق المسائل وتأصيلها وإقرانها بالأدلة.
كما أثنى عليه العلَّامَة القطب اطْفَيِّش الجزائري حيث ذكر اسمه في عداد كبار العلماء، يقول: “ومن أهل عصري العلَّامَة سعيد بن خلفان …” وشهد له بأنه: “جامع المعقول والمنقول”.
وقد عُرف المحقِّق الخليلي بتواضعه المحمود، من ذلك قوله في معرض رده على سؤال وُجِّه إليه: “والكتبلعلَّها توجد معكم، فطالعوا من الأثر فهو أصح وأولى مِمَّا أقوله لكم فإني أتكلف ذلك خجلا من ردكم، لا عن علم وبصيرة، وقد اعترفت بقلة المعرفة، ولست أنا من أهل الفتيا ولا من أهل الرأي، ولا تقبلوا شيئًا مِمَّا أقوله لكم إلاَّ بعد النظر فيه، فان وافق الحق، وإلا فليترك ولا تتكلموا على مسائلي فإني قليل المعرفة ظاهر الجهل عارف بذلك وإنا كلنا ضعفاء ينبغي أن نسأل غيرنا من العارفين حتى يدلونا على أمر ديننا الذي يعيننا، والسلام”.
وهو شديد الاحترام لعلماء الأمة بشتى مذاهبها، وكان أحد شيوخه حماد بن محمد البسط وهو على غير مذهبه، ولا أدل على احترامه وحبه للعلماء من قوله: “والمخصوص بهذا رجال اللَّه علماء الآخرة، الذين هم ورثة الأنبياء، مصابيح الهدى، وغيث الأمة وغوثها، فالنظر إليهم على سبيل البر بهم، والمحبة لهم، والتعظيم لهم والتوقير والاحترام لما ألبسهم اللَّه -تعالى- من أنوار علمه، إنما هو لأجل محبة العلم وهو محض محبة اللَّه -تعالى- أو التعظيم للعلم وهو من تعظيم اللَّه -تعالى- وإجلاله، فالمتأدب بين يدي العالم متأدب بين يدي اللَّه، والموقر له موقر لله -تعالى-، إذ لم يكن حبه وتعظيمه إلاَّ لمزية العلم الذي فضله اللَّه -تعالى- بها، وأنزله فيها”، إلى أن قال: “وكيف لا يستأهل ذلك العلماء باللَّه -تعالى- والقُوّام بأمر دينه والدعاة إليه وهم الآخذون بحجز الخلق يذودون عن النار، ويدعونهم إلى الجنة مع الأبرار”.
كان الشَّيخ سعيد بن خلفان كثير الخلوة والتبتل إلى اللَّه، وله في علم السلوك تناظيم، تدل على طول باعه في هذا المجال، يقول في أبيات تشي بإحساسه بانقسام الأنسجة إلى خلايا وذلك قبل اكتشاف الخلية بعقود:
أعاينُ تسبيحي بنورِ جَنَاني//فأشهدُ منّي ألفَ ألفِ لساني
وكلّ لسانٍ أجتلي من لغاته//إذًا ألفَ ألفٍ من غريب أغاني
ويهدى إلى سمعي بكلِّ لُغيَّةٍ//هدى ألفَ ألفٍ من شتات معاني
وفي كلِّ معنى ألفُ ألفِ عجيبةٍ//يُقَصِّرُ عن إحصائها الثَّقلانِ
وقد جُمِع شعره في ديوان منه قوله:
فيالك ليلا قد دجى فتكدرت//شموس الضحى فالصبح أسود أسفع
ألا تنجلي يا ليل عن صبح فتية//كرام بهم قد رد للعدل يوشع؟
تظاهر أنوار المعالي عليهم//وألوية العز الجلالي ترفع
أشداء يوم البأس في حومة الوغى//أولو رحموت بينهم لا تقطع
كأن مثاني ذكرهم في تهجد//مزامير داود بها قد تسجعوا
وقال مبيَّنًا منهجه:
ونيتي كل ما يرضي الإله على//أتم وجه وفيِّ العهد والذمم
أن أملأ الأرض عدلا واللسان ثنا//والقلب شكرًا لذي الآلاء والنعم
مستعملا كل عضو كل آونة//فيما لتوحيده أُخرِجتُ من عدم.
له مؤلفات ورسائل قيِّمة تربو على 25 مؤلفا، جمع فيها بين الشعر والعلم، فلُقِّب بأشعر العلماء وأعلم الشعراء، منها: أرجوزة في علم الصرف أسمَّاها مقاليد التصريف ألَّفَها قبل بلوغه السادسة عشرة من عمره، وذلك أنَّه غاب عن شيخه سعيد بن عامر الطيواني فترة حتى خشي عليه فأتى والدته يسألها عنه فعادت الوالدة الحريصة إلى ابنها بالتأنيب فذهب التلميذ إلى شيخه وهو يحمل إليه هذا الإنتاج العلميًّ الذي هو ألفية في علم التصريف! ((ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ))، ثمَّ شرح نظمها في ثلاثة أجزاء، ونظم كتاب: “الكافي في العروض والقوافي”، لأبي العباس الخواص، بتوجيه من شيخه حماد بن محمد البسط ثمَّ شرحه في كتابه: “مظهر الخافي المضمن الكافي في علمي العروض والقوافي”، وله أرجوزة “لطائف الحكم في صدقات النعم” في الزكاة، و”كرسي الأصول” في الولاية والبراءة ورسالة في علم التجويد.
ومن مؤلفاته المشهورة “النواميس الرحمانية في تسهيل الطرق إلى العلوم الربانية”، كذلك “إغاثة الملهوف بالسيف المذكر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” و”تمهيد قواعد الإيمان” فتاوى وتحقيقات جمعها تلميذه الشَّيخ محمد بن خميس السيفي في سبعة مجلدات.
بعد استشهاد الإمام عزان بن قيس البوسعيدي في محلة جبروه بمطرح، تحصن المحقِّق الخليلي ومن معه في حصن الجلالي ثمَّ سجنه السلطان تركي بن سعيد هو وابنه واغتيلا -رَحِمَهُما اللَّه-سنة 1287 هـ، يقول شاعر العرب أبو مسلم البهلني الرواحي في رثائه له:
ويدُفِنَ حيًّا لا جريمة تقتضى//سوى أنَّه بالحق لله قائم