بدأ الامتداد الوهابي في بلاد العرب بعد اتحاد محمد بن عبد الوهاب مع محمد بن سعود في منتصف القرن الثاني عشر الهجريِّ، وفي سياق هذا التوسع تبنت الوهابيةَ بعضُ قبائل ساحل عمان كقبائل النعيم وبني كعب وبني قتب، وحيث إنَّ هذه القبائل موجودة في ساحة البريمي فقد أثر ذلك على تاريخ هذه المنطقة وتاريخ عمان.
احتلَّت قوة وهابية يقودها سالم بن بلال الحارق واحة البريمي، واستُخدِمت هذه الواحة في السنوات الثماني عشر التالية قاعدة هجوم ضد عمان.
ففي سنة 1222هـ بعث سعود بن عبد العزيز –حفيد محمد بن سعود- سرية إلى عمان لتعليمهم فرائض الدين –كما يعبِّر ابن بشر-، فوجدوا قيس بن أحمد –المعروف بابن الإمام- وابن أخيه السلطان سعيد بن سلطان بجيوشهما، فاستدعوا أنصارهم من وهابية عمان واقتتلوا قتالا شديدًا عند خور –بين الباطنة ورأس الخيمة- وهُزِمت جيوش السلطان وقُتِلَ قيس ابن الإمام في تلك الواقعة.
وظلَّ القائد الوهابي مطلق المطيري يتردد على عمان يقتل وينهب على مدى عدة سنوات وقد ضرب الجزية على الزعماء العمانيين في تلك المدة، ووقعت عدة وقائع بينه وبين السلطان سعيد بن سلطان.
وكما يقول الإمام السالمي: (كان قدومه –المطيري- على عمان عذابًا واصبًا وبلاء وبيلا… وأعد له السلطان سعيد بن سلطان الرجال للقتال فما أغنوا شيئًا، وجاء بالعرب والعجم فهزمهم بإزكي وصار إلى مطرح ونهبها، وأدى إليه السلطان الخراج ليدافعه عن البلاد حين لم تغن الرجال شيئًا، وذلك لاختلاف كلمتهم فيما بينهم بزعمهم الباطل أنَّ هذا غافري وهذا هناوي…)
من ذلك ما حدث سنة 1224هـ، حيث استعان السلطان بالإنجليز وهجموا على الوهابية، فأرسل الملك سعود إلى عمان عبد اللَّه بن مزروع مع رجال من أهل نجد واجتمعوا مع مطلق المطيري الذي كان معه جيش من أهل نجد، واجتمع معه إلى ذلك مناصروهم من أهل عمان، ووقع قتال بينهم وبين أهل الباطنة ورئيسهم يومئذ السيد عزان بن قيس –جد الإمام عزان-، وقاتلوا السلطان سعيد، ودام القتال بينهم ووقعت مقتلة عظيمة من عسكر السيد عزان، ودخلت سنة خمس وعشرين وهم على ذلك يقتلون “ويغنمون”، وأخذ مطلق معه قرى كثيرة من نواحي صحار، ولم يبق محارب إلا مسقط مملكة السلطان سعيد، وما تحت ولاية السيد عزان من صحار.
وقد اشــتهرت الوهابية فيما مضى في عمان بالأزارقــة، لعدم الفرق بينهم وبين الأزارقة في استعراض المسلمين بالسيف، واستباحة ما لا يستباح إلا من أهل القبلة منهم.
وفي آخر شهر ذي الحجة سنة 1225هـ جمع السلطان سعيد جيوشًا واستعان بالإنجليز، وقاتلوا الوهابية في عمان وأخرجوا عاملهم على سمائل، فسار إليهم مطلق المطيري بجيوش من عمان ونجد واقتتلوا قتالا أسفر عنه هزيمة جنود السلطان وحصلت فيهم مقتلة عظيمة، ونهب الوهابية منهم كثيرًا “وقبض الأخماس عمال سعود وبعثوا بها إلى الدرعية”.
وقبل ذلك في أول شهر ذي الحجة لما خرج سعود للحج سنة 1225هـ خرج أبناؤه تركي وناصر وسعد من الدرعية إلى عمان بدون إذنه، ولما وصلوا عمان قاتلهم أناس من أهل الباطنة ليلا وحصل قتل شديد في الفريقين.
ثم اجتمعوا مع مطلق المطيري بجيوشه، وصار تركي ابن سعود رئيس الجميع، فأخذوا مطرح عنوة وقتلوا كثيرًا من أهلها ونهبوها، ثمَّ واصلوا على ساحل البحر وفي باطنة عمان وظاهرتها، وصولا إلى جعلان وصور وصحار وغيرها وأوغلوا في عمان وأخذوا كثيرًا من البلاد ونهبوا شيئًا عظيما.
حتى بلغ الملك سعود خروج أبنائه وهو في الحج، فغضب وأمر بإخراج المرابطة الذين في البريمي ومنع أبنائه وجنودهم من دخولها، وأرسل أيضًا إلى مطلق المطيري أن يخرجوا من عمان ولا يبقوا رجلًا واحدا.
وبعد خروجهم تمرد بنو ياس على الوهابية، فكتب الملك سعود إلى قائده بالأحساء أن يقصد عمان ويكون أمير الجيوش فيها، فتقاتل مع بني ياس وغيرهم من أهل عمان فهُزِمَ ومن معه فيها، وقُتِلَ هو وجمع من رجاله.
عاد مطلق المطيري بأمر من الملك سعود سنة 1228هـ إلى عمان لأجل تدارك ما حصل، فقصد جعلان وحاصرهم ونهب منهم المال الكثير.
ولم تمض مدة من الزمن حتى قُتِلَ مطلق المطيري، وكان قاتلوه كهولا قليلين قتلوه في جيشه الكبير، وهم من رجال الحجريين، جاؤوا على حين غفلة بعد أن قتل سبعة من رجالهم إذ كان فارسا عنيدا، فلما استوى على فرسه سقطوا عليه غير مبالين بالموت، وانهزم جيشه بعد مقتله.
ثم جاء ابنه سعد بن مطلق سنة 1264هـ، فكمن لهم أعداؤهم وهُزِموا هزيمة شنيعة حيث قُتِلَ رجال وهلك آخرون ظمأً، وقصد باقيهم إلى حاكمي دبي والشارقة آنذاك فأعانوهم واستعادوا ما فقدوه في البريمي في وقعة العانكة –أو العاتكة-.
وفي سنة 1282هـ، استدعى رجل من جعلان جماعة من وهابية نجد من البريمي، فلما خرج السلطان ثويني إليه جاء معتذرًا بعد أن أرسل إليه السلطان رسلا ليحضر إليه، ورجع الوهابية من حيث جاؤوا، ثمَّ قصد السلطان صحار وفيها ولده سالم بن ثويني الذي جعله فيها لمقاومة الوهابية بالبريمي، غير أنَّ هذا الأخير اغتال والده أثناء نومه ظهرًا، وتحالف مع الوهابية.
وبعد مبايعة الإمام عزان بن قيس سنة 1285هـ، جاء إليه أحد رؤساء قبائل النعيم يطلب منه المساعدة لطرد الوهابية، فأعلن الإمام الحرب عليهم، وسار إليهم في البريمي عام 1286هـ فهزمهم واستعاد البريمي، وأقام بالبريمي ينتظر قدوم ملك نجد عبد اللَّه بن فيصل، لكن هذا الأخير لم يقدم فرجع الإمام إلى وطنه.
وكان الغزو الوهابي الأخير في عام 1371هـ، وذلك أنَّه وقع نزاع بين شركتي نفط بريطانية –تدعم عمان-، وأمريكية –تدعم السعودية- على منطقة البريمي، فأرسل ملك السعودية آنذاك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود قائده تركي بن عطيشان بصفته ممثلا للسعودية بقرية حماسة من منطقة البريمي، وأعلن نفسه حاكما لها، وتقدم السلطان سعيد بن تيمور لمقاومته، فتدخل الإنجليز لمحاولة التوصل إلى تفاهم. فانسحب ابن عطيشان عام 1373 هـ وجاء بدله الأمير عبد اللَّه بن نامي ممثلا للسعودية، وأقامت الحكومة الإنجليزية ممثلا من طرفها نيابة عن السلطان وحاكم أبو ظبي.
غير أن محاولة التحكيم باءت بالفشل، وانتهى ذلك بهجوم الإنجليز على الحامية السعودية بالبريمي عام 1375هـ بدون إنذار، ثمَّ اعتقل ابن نامي مع جماعته وأُعيدوا إلى بلادهم. واستمر النزاع قائما على المنطقة بين البلدين –عمان والسعودية- في مجلس الأمن، إلى أن عادت أمريكا وبريطانيا –اللتان خلف هذا الصراع- إلى محاولة ترسيم الحدود بالمباحثات مرة أخرى بسبب مخاوفهم من دعوة القومية العربية آنذاك. وانتهت القضية بعد تسلم السلطان قابوس بن سعيد الحكم.