مواضيعالاسلامتفسير القرآن الكريمتفسير قوله تعالى ” وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك “

تفسير قوله تعالى ” وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك “

بواسطة : admin | آخر تحديث : 24 مارس، 2021 | المشاهدات: 437

تفسير قوله تعالى ” وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك “

( وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ( 30 ) )

قال ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة : ( ليثبتوك ) [ أي ] : ليقيدوك .

وقال عطاء ، وابن زيد : ليحبسوك .

وقال السدي : الإثبات هو الحبس والوثاق .

وهذا يشمل ما قاله هؤلاء وهؤلاء ، وهو مجمع الأقوال وهو الغالب من صنيع من أراد غيره بسوء .

وقال سنيد ، عن حجاج ، عن ابن جريج ، قال عطاء : سمعت عبيد بن عمير يقول : لما ائتمروا بالنبي – صلى الله عليه وسلم – ليثبتوه أو يقتلوه أو يخرجوه ، قال له عمه أبو طالب : هل تدري ما ائتمروا بك ؟ قال : يريدون أن يسحروني أو يقتلوني أو يخرجوني ، فقال : من أخبرك بهذا ؟ قال : ربي ، قال : نعم الرب ربك ، استوص به خيرا فقال : أنا أستوصي به ! بل هو يستوصي بي

وقال أبو جعفر بن جرير : حدثني محمد بن إسماعيل البصري المعروف بالوساوسي ، أخبرنا عبد الحميد بن أبي رواد عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن عبيد بن عمير ، عن المطلب بن أبي وداعة ، أن أبا طالب قال لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ما يأتمر بك قومك ؟ قال : يريدون أن يسحروني أو يقتلوني أو يخرجوني . فقال : من أخبرك بهذا ؟ قال : ربي ، قال : نعم الرب ربك ، فاستوص به خيرا ، قال : أنا أستوصي به ! بل هو يستوصي بي . قال : فنزلت : ( وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ) الآية .

[ ص: 44 ] وذكر أبي طالب في هذا ، غريب جدا ، بل منكر ؛ لأن هذه الآية مدنية ، ثم إن هذه القصة واجتماع قريش على هذا الائتمار والمشاورة على الإثبات أو النفي أو القتل ، إنما كان ليلة الهجرة سواء ، وكان ذلك بعد موت أبي طالب بنحو من ثلاث سنين لما تمكنوا منه واجترءوا عليه بعد موت عمه أبي طالب ، الذي كان يحوطه وينصره ويقوم بأعبائه . والدليل على صحة ما قلنا : ما رواه الإمام محمد بن إسحاق بن يسار صاحب ” المغازي ” عن عبد الله بن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : وحدثني الكلبي ، عن باذان مولى أم هانئ ، عن ابن عباس ؛ أن نفرا من قريش من أشراف كل قبيلة ، اجتمعوا ليدخلوا دار الندوة ، فاعترضهم إبليس في صورة شيخ جليل ، فلما رأوه قالوا : من أنت ؟ قال : شيخ من نجد ، سمعت أنكم اجتمعتم ، فأردت أن أحضركم ولن يعدمكم رأيي ونصحي . قالوا : أجل ، ادخل فدخل معهم فقال : انظروا في شأن هذا الرجل ، والله ليوشكن أن يواثبكم في أمركم بأمره . قال : فقال قائل منهم : احبسوه في وثاق ، ثم تربصوا به ريب المنون ، حتى يهلك كما هلك من كان قبله من الشعراء : زهير والنابغة ، إنما هو كأحدهم ، قال : فصرخ عدو الله الشيخ النجدي فقال : والله ما هذا لكم برأي ، والله ليخرجنه ربه من محبسه إلى أصحابه ، فليوشكن أن يثبوا عليه حتى يأخذوه من أيديكم ، فيمنعوه منكم ، فما آمن عليكم أن يخرجوكم من بلادكم . قال : فانظروا في غير هذا .

قال : فقال قائل منهم : أخرجوه من بين أظهركم تستريحوا منه ، فإنه إذا خرج لن يضركم ما صنع وأين وقع ، إذا غاب عنكم أذاه واسترحتم ، وكان أمره في غيركم ، فقال الشيخ النجدي : والله ما هذا لكم برأي ، ألم تروا حلاوة [ قوله ] وطلاوة لسانه ، وأخذ القلوب ما تسمع من حديثه ؟ والله لئن فعلتم ، ثم استعرض العرب ، ليجتمعن عليكم ثم ليأتين إليكم حتى يخرجكم من بلادكم ويقتل أشرافكم . قالوا : صدق والله ، فانظروا بابا غير هذا .

قال : فقال أبو جهل ، لعنه الله : والله لأشيرن عليكم برأي ما أراكم تصرمونه بعد ، ما أرى غيره . قالوا : وما هو ؟ قال : نأخذ من كل قبيلة غلاما شابا وسيطا نهدا ، ثم يعطى كل غلام منهم سيفا صارما ، ثم يضربونه ضربة رجل واحد ، فإذا قتلوه تفرق دمه في القبائل [ كلها ] فلا أظن هذا الحي من بني هاشم يقوون على حرب قريش كلها . فإنهم إذا رأوا ذلك قبلوا العقل ، واسترحنا وقطعنا عنا أذاه .

قال : فقال الشيخ النجدي : هذا والله الرأي . القول ما قال الفتى لا رأي غيره ، قال : فتفرقوا على ذلك وهم مجمعون له .

فأتى جبريل النبي – صلى الله عليه وسلم – فأمره ألا يبيت في مضجعه الذي كان يبيت فيه ، وأخبره بمكر القوم . [ ص: 45 ] فلم يبت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في بيته تلك الليلة ، وأذن الله له عند ذلك بالخروج ، وأنزل الله عليه بعد قدومه المدينة ” الأنفال ” يذكر نعمه عليه وبلاءه عنده : ( وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ) وأنزل [ الله ] في قولهم : ” تربصوا به ريب المنون ، حتى يهلك كما هلك من كان قبله من الشعراء ” ، ( أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون ) [ الطور : 30 ] وكان ذلك اليوم يسمى يوم الزحمة للذي اجتمعوا عليه من الرأي .

وعن السدي نحو هذا السياق ، وأنزل الله في إرادتهم إخراجه قوله تعالى : ( وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا ) [ الإسراء : 76 ] .

وكذا روى العوفي ، عن ابن عباس . وروي عن مجاهد ، وعروة بن الزبير ، وموسى بن عقبة ، وقتادة ، ومقسم ، وغير واحد ، نحو ذلك .

وقال يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق : فأقام رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ينتظر أمر الله ، حتى إذا اجتمعت قريش فمكرت به ، وأرادوا به ما أرادوا ، أتاه جبريل عليه السلام فأمره ألا يبيت في مكانه الذي كان يبيت فيه فدعا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – علي بن أبي طالب ، فأمره أن يبيت على فراشه وأن يتسجى ببرد له أخضر ، ففعل . ثم خرج رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على القوم وهم على بابه ، وخرج معه بحفنة من تراب ، فجعل يذرها على رءوسهم ، وأخذ الله بأبصارهم عن نبيه محمد – صلى الله عليه وسلم – وهو يقرأ : ( يس والقرآن الحكيم ) إلى قوله : ( فأغشيناهم فهم لا يبصرون ) [ يس : 1 – 9 ] .

وقال الحافظ أبو بكر البيهقي : روي عن عكرمة ما يؤكد هذا .

وقد روى [ أبو حاتم ] ابن حبان في صحيحه ، والحاكم في مستدركه ، من حديث عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : دخلت فاطمة على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهي تبكي ، فقال : ما يبكيك يا بنية ؟ قالت : يا أبت ، [ و ] ما لي لا أبكي ، وهؤلاء الملأ من قريش في الحجر يتعاقدون باللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ، لو قد رأوك لقاموا إليك فيقتلونك ، وليس منهم إلا من قد عرف نصيبه من دمك . فقال : يا بنية ، ائتني بوضوء . فتوضأ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ثم خرج إلى المسجد . فلما رأوه قالوا : إنما هو ذا فطأطئوا رءوسهم ، وسقطت أذقانهم بين أيديهم ، فلم يرفعوا أبصارهم . فتناول رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قبضة من تراب فحصبهم بها ، وقال : شاهت الوجوه . فما أصاب رجلا منهم حصاة من حصياته إلا قتل يوم بدر كافرا .

ثم قال الحاكم : صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاه ، ولا أعرف له علة .

[ ص: 46 ] وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، أخبرني عثمان الجزري ، عن مقسم مولى ابن عباس أخبره عن ابن عباس في قوله : ( وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك ) قال : تشاورت قريش ليلة بمكة ، فقال بعضهم : إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق – يريدون النبي – صلى الله عليه وسلم – وقال بعضهم : بل اقتلوه . وقال بعضهم : بل أخرجوه . فأطلع الله نبيه على ذلك ، فبات علي – رضي الله عنه – على فراش رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وخرج رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حتى لحق بالغار ، وبات المشركون يحرسون عليا يحسبونه النبي – صلى الله عليه وسلم – فلما أصبحوا ثاروا إليه ، فلما رأوا عليا رد الله تعالى مكرهم ، فقالوا : أين صاحبك هذا ؟ قال : لا أدري . فاقتصا أثره ، فلما بلغوا الجبل اختلط عليهم ، فصعدوا في الجبل فمروا بالغار ، فرأوا على بابه نسج العنكبوت ، فقالوا : لو دخل هاهنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه ، فمكث فيه ثلاث ليال .

وقال محمد بن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عروة بن الزبير في قوله : ( ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ) أي : فمكرت بهم بكيدي المتين ، حتى خلصتك منهم .

الكلمات المفتاحية: