[ ص: 272 ] ( فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته ذلك هو الفوز المبين ( 30 ) وأما الذين كفروا أفلم تكن آياتي تتلى عليكم فاستكبرتم وكنتم قوما مجرمين ( 31 ) وإذا قيل إن وعد الله حق والساعة لا ريب فيها قلتم ما ندري ما الساعة إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين ( 32 ) وبدا لهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون ( 33 ) وقيل اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين ( 34 ) ذلكم بأنكم اتخذتم آيات الله هزوا وغرتكم الحياة الدنيا فاليوم لا يخرجون منها ولا هم يستعتبون ( 35 ) فلله الحمد رب السموات ورب الأرض رب العالمين ( 36 ) وله الكبرياء في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم ( 37 ) ) .
يخبر تعالى عن حكمه في خلقه يوم القيامة ، فقال : ( فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) أي : آمنت قلوبهم وعملت جوارحهم الأعمال الصالحات ، وهي الخالصة الموافقة للشرع ، ( فيدخلهم ربهم في رحمته ) ، وهي الجنة ، كما ثبت في الصحيح أن الله قال للجنة : ” أنت رحمتي ، أرحم بك من أشاء ” .
( ذلك هو الفوز المبين ) أي : البين الواضح .
ثم قال : ( وأما الذين كفروا أفلم تكن آياتي تتلى عليكم فاستكبرتم ) أي : يقال لهم ذلك تقريعا وتوبيخا : أما قرئت عليكم آيات الرحمن فاستكبرتم عن اتباعها ، وأعرضتم عند سماعها ، ( وكنتم قوما مجرمين ) أي : في أفعالكم ، مع ما اشتملت عليه قلوبكم من التكذيب ؟
( وإذا قيل إن وعد الله حق والساعة لا ريب فيها ) أي : إذا قال لكم المؤمنون ذلك ، ( قلتم ما ندري ما الساعة ) أي : لا نعرفها ، ( إن نظن إلا ظنا ) أي : إن نتوهم وقوعها إلا توهما ، أي مرجوحا ; ولهذا قال : ( وما نحن بمستيقنين ) أي : بمتحققين ، قال الله تعالى : ( وبدا لهم سيئات ما عملوا ) أي : وظهر لهم عقوبة أعمالهم السيئة ، ( وحاق بهم ) أي : أحاط بهم ( ما كانوا به يستهزئون ) أي : من العذاب والنكال ، ( وقيل اليوم ننساكم ) أي : نعاملكم معاملة الناسي لكم في نار جهنم ( كما نسيتم لقاء يومكم هذا ) أي : فلم تعملوا له لأنكم لم تصدقوا به ، ( ومأواكم النار وما لكم من ناصرين )
وقد ثبت في الصحيح أن الله تعالى يقول لبعض العبيد يوم القيامة : ” ألم أزوجك ؟ ألم أكرمك ؟ [ ص: 273 ] ألم أسخر لك الخيل والإبل ، وأذرك ترأس وتربع ؟ فيقول : بلى ، يا رب . فيقول : أفظننت أنك ملاقي ؟ فيقول : لا . فيقول الله تعالى : فاليوم أنساك كما نسيتني ” .
قال الله تعالى : ( ذلكم بأنكم اتخذتم آيات الله هزوا ) أي : إنما جازيناكم هذا الجزاء لأنكم اتخذتم حجج الله عليكم سخريا ، تسخرون وتستهزئون بها ، ( وغرتكم الحياة الدنيا ) أي : خدعتكم فاطمأننتم إليها ، فأصبحتم من الخاسرين ; ولهذا قال : ( فاليوم لا يخرجون منها ) أي : من النار ( ولا هم يستعتبون ) أي : لا يطلب منهم العتبى ، بل يعذبون بغير حساب ولا عتاب ، كما تدخل طائفة من المؤمنين الجنة بغير عذاب ولا حساب .
ثم لما ذكر حكمه في المؤمنين والكافرين قال : ( فلله الحمد رب السموات ورب الأرض ) أي المالك لهما وما فيهما ; ولهذا قال : ( رب العالمين ) .
ثم قال : ( وله الكبرياء في السموات والأرض ) قال مجاهد : يعني السلطان . أي : هو العظيم الممجد ، الذي كل شيء خاضع لديه فقير إليه . وقد ورد في الحديث الصحيح : ” يقول الله تعالى العظمة إزاري والكبرياء ردائي ، فمن نازعني واحدا منهما أسكنته ناري ” . ورواه مسلم من حديث الأعمش ، عن أبي إسحاق ، عن الأغر أبي مسلم ، عن أبي هريرة وأبي سعيد ، رضي الله عنهما ، عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بنحوه .
وقوله : ( وهو العزيز ) أي : الذي لا يغالب ولا يمانع ، ( الحكيم ) في أقواله وأفعاله ، وشرعه وقدره ، تعالى وتقدس ، لا إله إلا هو .
آخر تفسير سورة الجاثية [ ولله الحمد والمنة ]