مواضيعالاسلامتفسير القرآن الكريمتفسير قوله تعالى ” ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك “

تفسير قوله تعالى ” ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك “

بواسطة : admin | آخر تحديث : 16 يناير، 2021 | المشاهدات: 289

تفسير قوله تعالى ” ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك “

[ ص: 315 ] ( ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم ( 16 ) والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم ( 17 ) فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم ( 18 ) فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات والله يعلم متقلبكم ومثواكم ( 19 ) ) .

يقول تعالى مخبرا عن المنافقين في بلادتهم وقلة فهمهم حيث كانوا يجلسون إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ويستمعون كلامه ولا يفهمون منه شيئا ، فإذا خرجوا من عنده ( قالوا للذين أوتوا العلم ) من الصحابة : ( ماذا قال آنفا ) أي : الساعة ، لا يعقلون ما يقال ، ولا يكترثون له .

قال الله تعالى : ( أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم ) أي : فلا فهم صحيح ، ولا قصد صحيح .

ثم قال : ( والذين اهتدوا زادهم هدى ) أي : والذين قصدوا الهداية وفقهم الله لها فهداهم إليها ، وثبتهم عليها وزادهم منها ، ( وآتاهم تقواهم ) أي : ألهمهم رشدهم .

وقوله : ( فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة ) أي : وهم غافلون عنها ، ( فقد جاء أشراطها ) أي : أمارات اقترابها ، كقوله تعالى : ( هذا نذير من النذر الأولى أزفت الآزفة ) [ النجم : 56 ، 57 ] ، وكقوله : ( اقتربت الساعة وانشق القمر ) [ القمر : 1 ] وقوله : ( أتى أمر الله فلا تستعجلوه ) [ النحل : 1 ] ، وقوله : ( اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون ) [ الأنبياء : 1 ] فبعثة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من أشراط الساعة ; لأنه خاتم الرسل الذي أكمل الله به الدين ، وأقام به الحجة على العالمين . وقد أخبر – صلوات الله وسلامه عليه – بأمارات الساعة وأشراطها ، وأبان عن ذلك وأوضحه بما لم يؤته نبي قبله ، كما هو مبسوط في موضعه .

وقال الحسن البصري : بعثة محمد – صلى الله عليه وسلم – من أشراط الساعة . وهو كما قال ; ولهذا جاء في أسمائه عليه السلام ، أنه نبي التوبة ، ونبي الملحمة ، والحاشر الذي يحشر الناس على قدميه ، والعاقب الذي ليس بعده نبي .

وقال البخاري : حدثنا أحمد بن المقدام ، حدثنا فضيل بن سليمان ، حدثنا أبو حازم ، حدثنا سهل بن سعد قال : رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال بأصبعيه هكذا ، بالوسطى والتي تليها : ” بعثت أنا والساعة كهاتين ” .

ثم قال تعالى : ( فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم ) أي : فكيف للكافرين بالتذكر إذا جاءتهم القيامة ، حيث لا ينفعهم ذلك ، كقوله تعالى : ( يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى ) [ الفجر : 23 ] ،

[ ص: 316 ] ( وقالوا آمنا به وأنى لهم التناوش من مكان بعيد ) [ سبأ : 52 ] .

وقوله : ( فاعلم أنه لا إله إلا الله ) هذا إخبار : بأنه لا إله إلا الله ، ولا يتأتى كونه آمرا بعلم ذلك ; ولهذا عطف عليه بقوله : ( واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات ) وفي الصحيح أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان يقول : ” اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي ، وإسرافي في أمري ، وما أنت أعلم به مني . اللهم اغفر لي هزلي وجدي ، وخطئي وعمدي ، وكل ذلك عندي ” . وفي الصحيح أنه كان يقول في آخر الصلاة : ” اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت ، وما أسررت وما أعلنت ، وما أسرفت ، وما أنت أعلم به مني ، أنت إلهي لا إله إلا أنت ” . وفي الصحيح أنه قال : ” يا أيها الناس ، توبوا إلى ربكم ، فإني أستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة ”

وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة عن عاصم الأحول قال : سمعت عبد الله بن سرجس قال : أتيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فأكلت معه من طعامه ، فقلت : غفر الله لك يا رسول الله ، فقلت : أستغفر لك ؟ فقال : ” نعم ، ولكم ” ، وقرأ : ( واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات ) ، ثم نظرت إلى نغض كتفه الأيمن أو : كتفه الأيسر – شعبة الذي شك – فإذا هو كهيئة الجمع عليه الثآليل .

رواه مسلم ، والترمذي ، والنسائي ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم من طرق ، عن عاصم الأحول به .

وفي الحديث الآخر الذي رواه أبو يعلى : حدثنا محرز بن عون ، حدثنا عثمان بن مطر ، حدثنا عبد الغفور ، عن أبي نصيرة ، عن أبي رجاء ، عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه قال : ” عليكم بلا إله إلا الله والاستغفار ، فأكثروا منهما ، فإن إبليس قال : أهلكت الناس بالذنوب ، وأهلكوني ب ” لا إله إلا الله ” والاستغفار ، فلما رأيت ذلك أهلكتهم بالأهواء ، فهم يحسبون أنهم مهتدون ” .

وفي الأثر المروي : ” قال إبليس : وعزتك وجلالك لا أزال أغويهم ما دامت أرواحهم في [ ص: 317 ] أجسادهم . فقال الله عز وجل : وعزتي وجلالي ولا أزال أغفر لهم ما استغفروني ”

والأحاديث في فضل الاستغفار كثيرة جدا .

وقوله : ( والله يعلم متقلبكم ومثواكم ) أي : يعلم تصرفكم في نهاركم ومستقركم في ليلكم ، كقوله : ( وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ) [ الأنعام : 60 ] ، وكقوله : ( وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين ) [ هود : 6 ] . وهذا القول ذهب إليه ابن جريج ، وهو اختيار ابن جرير . وعن ابن عباس : متقلبكم في الدنيا ، ومثواكم في الآخرة .

وقال السدي : متقلبكم في الدنيا ، ومثواكم في قبوركم .

والأول أولى وأظهر ، والله أعلم .

الكلمات المفتاحية: