مواضيعقصصقصص وحكاياتالنجاح قد يأتي بعد سن الخامسة والستين

النجاح قد يأتي بعد سن الخامسة والستين

بواسطة : admin | آخر تحديث : 17 يناير، 2021 | المشاهدات: 149

النجاح قد يأتي بعد سن الخامسة والستين

كان ميلاده في التاسع من شهر سبتمبر عام 1890 م في بلدة هنريفيل التابعة لولاية إنديانا الأمريكية، وفارق والده – عامل مناجم الفحم – الحياة وعمره ست سنوات، ومع اضطرار والدته حينئذ للخروج للعمل لتعول الأسرة، كـان على أكبر إخوته : ساندرز ، أن يهتم بشأن أخيه ذي الـثلاث سنوات وأخته الرضيعة، وكان عليه أيضاً أن يطهـو طعـام الأسرة، مهتديًا بنصائح ووصفات أمه. في سن السابعة كان ساندرز قد أتقن طهي عدة أنواع من الأطبـاق الـشهية، مـن ضمنها الدجاج المقلي في الزيت.

لم يقف الأمر عند هذا الحد، إذ أضطر ساندرز كذلك للعمل في صباه في عدة وظائف، أولها فـي مزرعـة مقابل دولارين شهريًا، ثم بعدها بسنتين تزوجت أمه ، ما مكنه من أن يرحل للعمل في مزرعة خارج بلدته، و بعدما أتم عامه السادس عشر خدم لمدة ستة شهور في الجيش الأمريكي في كوبا، ثم تنقل ما بين وظـائف ،عدة من ملقم فحم على متن قطار بخاري، لقائد عبارة نهرية، لبائع بوالص تأمين، ثم درس القانون بالمراسلة ومارس المحاماة لبعض الوقت، وباع إطارات السيارات، وتولى إدارة محطات الوقود .

إنه هارلند دافيد ساندرز، الرجل العجوز المشهور، ذو الشيب الأبيض الذي ترمز صورته لأشهر محلات الدجاج المقلي. لقد كانت رحلة هذا الرجل في الحياة مليئة بالصعاب والشوك. في عامه الأربعين، كان ساندرز يطهو قطع الدجاج، ثم يبيعها للمارين على محطة الوقود التي كان يديرها في مدينة كوربين بولاية كنتاكي الأمريكية، وكان زبائنه يجلسون فـي غرفة نومه لتناول الطعام. شيئاً فشيئًا بدأت شهرته تزيد، وبدأ الناس يأتون إلى المحطة فقط لتناول دجاجه، ما مكنه من الانتقال للعمل كبير الطهاة في فندق يقع على الجهة الأخرى من محطة الوقود، ملحق به مطعم اتسع لقرابة 142 شخص .

على مر تسع سنين تالية، تمكن ساندرز من إتقان فن طهي الدجاج المقلي، وتمكن كذلك من إعداد وصـفته السرية التي تعتمد على خلط 11 نوعًا من التوابل، الكفيلة بإعطاء الدجاج الطعـم الـذي تجـده فـي مطـاعم كنتاكي اليوم .

كانت الأمور تسير على ما يرام، حتى أن محافظ كنتاكي أنعم على سـاندرز (وعمـره 45 سـنة ) بلقـب كولونيل تقديرًا له على إجادته للطهي، لولا عيب واحد – اضطرار الزبائن للانتظار قرابة 30 دقيقـة حتـى يحصلوا على وجبتهم التي طلبوها. كان المنافسون (المطاعم الجنوبية) يتغلبون على هذا العيب بطهي الدجاج في السمن المركز ما ساعد على نضوج الدجاج بسرعة، على أن الطعم كان شديد الاختلاف.

احتاج الأمر من ساندرز أن يتعلم ويختبر ويتقن فن التعامل مع أواني الطهي باستخدام ضـغط الهـواء، لكـي يحافظ دجاجه على مذاقه الخاص، ولكي ينتهي من طهي الطعام بشكل سريع، كما أنه أدخل تعديلاته الخاص على طريقة عمل أواني الطبخ بضغط الهواء في مطبخه !

ما أن توصل ساندرز لحل معضلة الانتظار وبدأ يخدم زبائنه بسرعة، حتى تم تحويل الطريق العام ، فلم يعـد يمر على البلدة التي بها مطعم سان درز، فانصرف عنه الزبائن . بعدما بار كل شيء، اضطر ساندرز لبيع كل ما يملكه بالمزاد، وبعد سداد جميع الفواتير، اضطر ساندرز كذلك للتقاعد ليعيش ويتقوت من أموال التأمين الحكومية، أو ما يعادل 105 دولارات شهريًا. لقد كان عمره 65 عامًا وقتها !

بعدما وصل أول شيك من أموال التأمين الاجتماعي (الذي يعادل المعاشات في بلادنا ) إلى الرجـل العجـوز، جلس ليفكر ويتدبر، ثم قرر أنه ليس مستعدًا بعد للجلوس على كرسي هزاز في انتظار معـاش الحكومـة، ولذا أقنع بعض المستثمرين باستثمار أموالهم في الدجاج المقلي الشهي، وهكذا كانت النشأة الرسمية لن شاط دجاج كنتاكي المقلي أو كنتاكي فرايد تشيكن، في عام 1952 .

قرر ساندرز أن يطهو الدجاج، ثم يرتحل بسيارته عبر الولايات من مطعم لآخر، عارضًا دجاجه علـى مـلاك المطاعم والعاملين فيها، وإذا جاء رد فعل هؤلاء إيجابياً، كان يتم الاتفاق بينهم على حصول ساندرز على مقابل مادي لكل دجاجة يبيعها المطعم من دجاجات الكولونيل. بعد مرور 12 سنة، كان هناك أكثر من 600 مطعم في الولايات المتحدة وكندا يبيعون دجاج كولونيل ساندرز .

في هذه السنة (عام 1964)، وبعدما بلغ ساندرز سن 77، قرر أن يبيـع كـل شـيء بمبلـغ 2 مليـون دولار لمجموعة من المستثمرين (من ضمنهم رجل انتخب بعدها كمحافظ ولاية كنتاكي من عام 1980 وحتى 1984، (مع بقائه المتحدث الرسمي باسم الشركة (مقابل أجر ) وظهوره بزيه الأبيض المعهود ولمدة عقد من الزمان في دعايات الشركة. عكف العجوز في خلال هذا الوقت على الانتهاء من كتابه Have I As Life Good Lickin Finger Been Has It Known: أو( الحياة التي عرفتها كانت شهية بدرجة تدفعك للعق الأصابع – كناية عن الجملة الدعائية التي اشتهرت بها دعايات الشركة) والذي نشره في عام 1974.

تحت قيادة المستثمرين الجدد، نمت الشركة بسرعة، وتحولت في عام 1966 إلى شركة مساهمة مدرجـة في البورصة، وفي عام 1971 بيعت مرة أخرى بمبلغ 285 مليون دولار، حتى اشترتها شركة بيبسي في عام 1986 بمبلغ 840 مليون دولار. في عام 1991 تحول الاسم الرسمي للشركة من دجاج كنتاكي المقلـي إلى الأحرف الأولى كي اف سي، للابتعاد عن قصر النشاط على الدجاج المقلي، لإتاحة الفرصة لبيع المزيـد من أنواع الطعام. اليوم يعمل أكثر من 33 ألف موظف في جميع فروع كنتاكي، المنتشرة في أكثر مـن 100 دولة.

قبل أن يقضي مرض اللوكيميا (سرطان الدم) على الكولونيل وسنه 90 عامًا، كان العجوز قد قطع أكثـر من 250 ألف ميل ليزور جميع فروع محلا ت كنتاكي. حتى يومنا هذا، تبقى وصفة كولونيـل سـاندرز أحد أشهر الأسرار التجارية المحافظ عليها.

الدروس المستفادة :
• من طفولة بائسة جاء إتقان الطهي، ومن عمل في محطة للوقود بدأت الـشهرة، ومـن عمـل فـي المطبخ جاءت الوصفة السرية – لكل حدث جلل في حياة كل منا حكمة بالغة، احرص على أن تقف عليها وتستفيد منها.
• كلما اشتدت واستعصت على الحل المشاكل، فاعلم أن الفرج قريب، وكلمـا صـبرت وجاهـدت – سيكون كبيراً.
• كان ساندرز شديد الثقة في منتجه (حلاوة طعم دجاجه) ما مهد له طريق النجاح.
• لم ييأس ساندرز أبدًا، ولو يأس لما استطاع أحد أن يلومه.
• بقي ساندرز مطلعًا على الحديث في صناعته: فن الطبخ.
• لا يأس مع الحياة، ولا حياة مع اليأس، وما لم يقتلك سيجعلك أكثر صلابة.

عندما يبدو أن كل شـيء يعانـدك ويعمل ضـدك ، تـذكر أن الطـائرة تقلع عكس اتجـاه الـريح، لا معـه (هنري فورد)

الكلمات المفتاحية: