محتويات المقال
هو أحد صعاليك العرب وعدائيها، جاهلي قديم، والمشهور أن اسمه ثابت بن أوس الأزدي، والشنفرى لقب له لعظم شفتيه.
اختُلف في مولده؛ فقيل: إنه نشأ في قومه الأزد ثم أغاظوه فهجرهم.
وقيل: ولد في بني سلامان أو أنهم سبَوه صغريًا فنشأ بينهم حتى عرف حقيقة أمره فهرب مضمرا لهم الشر، وأقسم أن يقتل منهم مائة، فأخذ يترصدهم ويفتك بهم حتى إذا بلغ عدد القتلى تسعة وتسعني قبضوا عليه وقتلوه وطرحوا جثته وجمجمته عرضة للضواري لتفترسه، فمر بجمجمته رجل منهم ورفسها برجله فدخلت فيها شظية فأماتته وتمت به المائة، فقرت عين الشنفرى بعد موته وبر بقسمه، ومثل هذه الرواية كثير في أخبار العرب فلا ينبغي التعويل عليها.
له أشعار متفرقة في كتب الأدب، وكلها في وصف غاراته وشدة بأسه، وأشهرها قصيدته المعروفة بلامية العرب، وشك بعضهم في نسبتها إليه، وأضافها ابن دريد إلى خلف الأحمر، ونسبها غيره لشعراء صدر الإسلام. على أن هذا الشك لا يضيرها من حيث تعابيرها الجاهلية وموافقتها لحياة الشنفرى وما رافقها من شظف عيش وخشونة طباع.
وقد عني بشرحها كثير من العلماء كالمبرد وثعلب والزمخشري، ودرسها المستشرقون ونقلوها إلى لغاتهم.
يمثل الشنفرى في شعره الخشن حياة البدوي الغليظ الطباع، الذي جافاه قومه فأبت نفسه الحرة أن تحمل الضيم فتركهم ساخطا عليهم؛ لأنهم خذلوه في جناية اقترفها، وأبوا أن ينصروه، ورأى أن الأرض لا تضيق على امرئ عاقل، وأن السباع التي يعاشرها أفضل منهم؛ لأنها أكتم للسر ولأن الجاني لا يُخذل عندها.
وحياة هذا الشاعر حافلة بالجرائم، فقد كان يقطع الطرق على المسافرين يستبيح أموالهم ويسبي ظعائنهم، أو يغري على الأحياء الآمنة فيلقي الذعر فيها ويقتل ويغنم.
وفي لاميته الشهرية يصور أخلاقه وعاداته أحسن تصوير، ويصف غارة له في الليلة المظلمة الباردة، وعودته قبل الصباح بعدما أيَم النسوان وأيتم الأولاد، فيمثل بإيجاز حياة صعاليك العرب وغزواتهم وما يصيبهم من جوع وبرد وخوف.
يفاخر بالتشرد والفتك والسلب كما يفاخر بفقره وجوعه وقناعته.
يكره الجشع إذا مدت الأيدي إلى الطعام، ولا يرى غضاضة في ذكر قذارته، بل يباهي بأن حياة التصعلك منعته من الاغتسال حولا، حتى تعلقت الأوساخ بشعره تعلق الأبعار بأذناب الإبل.
ومن مناقبه أن يغالب القطا في الجري فيسبقها إلى ورود الماء، ولا بدع في ذلك وهو أحد العدائين عند العرب، فمن حقه أن يغالي في عدوه، وإن يكن هذا الغلو لم يخرجه عن فطرته التي تتمثل في جميع شعره، فنجده متصلا بالطبيعة والمادة، بارز الأنانية في تحدثه عن نفسه، وإيثاره إياها بالشرف والفضائل، وميله إلى الانفراد عن قومه لئلا تنتقص حريتها، وتضام في كبريائها وعنجهيتها.
يثور عليهم ويشكو ويتظلم لأنهم لم ينصروه في جناياته، ولا حملوا الديات عنه، فهم في نظره مذنبون إليه لا خير يرجى منهم، وأما هو فليس بمذنب، وإن حملهم أكبر الجرائم.
تلك هي الفطرة بسذاجة تفكيرها وصدق تعبيرها، وما في صاحبها من قوة الشخصية، وخشونة الطباع.
وليست اللامية وحدها تشتمل على هذه الصفات، بل سائر شعره يجري على سجيته، صريحا عاريًا من التكلف والتمويه، ولا سيما تائيته التي يستهلها بالغزل فيصف صاحبته خير وصف تظهر فيه المرأة المحمودة في الجاهلية خلقًا وأخلاقًا، على ما فيه من إيجاز، ثم يتطرق إلى ذكر صديقه تأبط شرا في غزوة غزاها معه مفاخرا بشجاعته وشدة بأسه وأخذه بثأر أبيه.
وفي التائية من غريب اللغة ووحشيها ما لا يختلف عما نجده في لاميته.
j.b