ما كاد أبو بكر يتسلم زمام المسؤولية في المدينة حتي بدأت الفتنة تطل برأسها كقطع الليل المظلم، فيعد أن مضي جيش أسامة في طريقه إلى شرق الأردن، جعلت وفود القبائل تتوارد على المدينة لينافسوا في قضية الزكاة، وأنها لم تعد مشروعة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، محتجين بقوله تعالى : ” خذ من أمولهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصلّ عليهم إن صلاتك سكن لهم ” فقالوا إن الزكاة تدفع لمن كانت صلاته سكناً لنا فقط، وهو الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد انقطع ذلك بوفاته .
وتتوسع الفتنه وأبو بكر ينظر رأي أصحابه فلا يجد إلا من يقول له اتركهم وما هم عليه من منع الزكاة وتألفهم حتي يتمكن الإيمان في قلوبهم .
حتى عمر بن الخطاب ارجل الشديد الحازمالقوي يقول لأبي بكر إذا منعك العرب فصبر عليهم، فيرد عليه ( والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأقاتلن من فرّق بين الصلاة والزكاة ) .
ثم يقول: يا عمر أخباراً في الجاهلية، خوارً في الإسلام. ولما قيل لعه مع من تقاتلهم؟ قال وحدي حتي تنفرد سالفتي .
ويعزم أمره رضي الله علنه غير عابه بهذه الأهوال الجسام رغم أنه لم يبق معه إلا أهل المدينة ومكة والطائف، ويقاتل أبو بكر المرتدين بمن معه من المسلمين، ويأتي جيش أسامة، فيعقد رضي الله عنه أحد عشر لواء لأحد عشر قائدا كلهم من خيار أصحاب رسول الله صلى لله عليه وسلم، منهم خالد ابن الوليد، وعمر بن العاص، وشر حبيل بن حسنة. وتسير الجيوش لقتال أهل الردة فينصر الله الإسلام، وتفرق كلمة عدوهم وتُكسر شوكتهم .
أنه موقف من أشد المواقف وقفة أبو يكر، الرجل الرقيق – كما تقول ابنته ولكنه كان جباراً في الحق، حازماً في نشر الدعوة، قوياً في الدفاع عن الإسلام، يقول السباعي رحمه الله – في هذا الصدد: ( وأما موقفه من حروب الردة، فهو أعظم ما يُؤثر عن الرجال من الحزم المصمم ولإرادة الحازمة، في موقف الشدة، ولولا أن تبت الله قلب أبي بكر على الحق، وآتاه حزم أولى العزم من الأنبياء والرسل لطوّحت الفتنة يصرح الإسلام الفتي ودولته، ومن هنا كان أبو بكر الؤسس الثاني للإسلام بعد رسول صلى الله عليه وسلم ) .
