– الاِعْتِمَادُ عَلَى النَّفْسِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمُعْطِي الْمَانِعِ، حَثَّ فِي كِتَابِهِ عَلَى كُلِّ خَيْرٍ جَامِعٍ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ؛ فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ، وَعَلَى مَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) ([1]).
أَيُّهَا الصَّائِمُونَ: تَقَبَّلَ اللَّهُ طَاعَتَكُمْ، فِي شَهْرِكُمْ وَسَائِرِ أَيَّامِكُمْ، فَإِنَّنَا فِي رَمَضَانَ، وَهُوَ مَدْرَسَةٌ تُعَلِّمُ تَحَمُّلَ الْمَشَاقِّ، وَالتَّغَلُّبَ عَلَى الصِّعَابِ، وَالاِعْتِمَادَ عَلَى النَّفْسِ، فَمَا مَعْنَى الاِعْتِمَادِ عَلَى النَّفْسِ؟ إِنَّهَا فَضِيلَةٌ تُعَزِّزُ الثِّقَةَ فِي النَّفْسِ وَإِمْكَانَاتِهَا، وَتُسَاعِدُهَا عَلَى التَّخْطِيطِ الإِيجَابِيِّ لِلْمُسْتَقْبَلِ، وَتَحَمُّلِ الْمَسْؤُولِيَّةِ، وَالأَخْذِ بِالأَسْبَابِ مَعَ التَّوَكُّلِ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ وَتَرْكِ الاِعْتِمَادِ عَلَى الآخَرِينَ، فَتِلْكَ سُنَّةُ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ، حَيْثُ كَانُوا يَعْتَمِدُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَيَعْمَلُونَ بِأَجْرٍ لِيَكْفُوا حَاجَاتِهِمْ، وَمُتَطَلَّبَاتِ مَنْ يَعُولُونَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r :« مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ»([2]). وَهَذَا الْمَعْنَى يَتَحَقَّقُ فِي كُلِّ مَنْ يَبْذُلُ جُهْدَهُ، وَيُتْقِنُ عَمَلَهُ، كَالْجُنْدِيِّ وَالطَّبِيبِ وَالْمُهَنْدِسِ، وَالتَّاجِرِ وَالْمُدَرِّسِ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَصْحَابِ الْوَظَائِفِ وَالأَعْمَالِ الأُخْرَى، وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ r يَعْمَلُ طُولَ حَيَاتِهِ، مُعْتَمِدًا عَلَى نَفْسِهِ، فَعَمِلَ بِالرَّعْيِ ثُمَّ بِالتِّجَارَةِ، وَقَالَ r :« مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلاَّ رَعَى الغَنَمَ». فَقَالَ أَصْحَابُهُ: وَأَنْتَ؟ فَقَالَ r :« نَعَمْ، كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لأَهْلِ مَكَّةَ»([3]). أَيْ عَلَى نَصِيبٍ مَعْلُومٍ مِنَ الأَجْرِ. وكَان الصَّحَابَةُ الْكِرَامُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ يَعْتَمِدُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَيتَحَمَّلُونَ الْمَسْؤُولِيَّةَ، فَهَذَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَذَهَبَ إِلَى السُّوقِ، وَعَمِلَ وَاجْتَهَدَ، وَرَبِحَ مَالاً كَثِيرًا([4]) وَصَارَ مِنْ أَثْرِيَاءِ الْمُسْلِمِينَ نَتِيجَةَ تَوَكُّلِهِ عَلَى رَبِّهِ، وَاعْتِمَادِهِ عَلَى نَفْسِهَ، قَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَقَدْ رَأَيْتُهُ قُسِمَ لِكُلِّ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ مِائَةُ أَلْفِ دِينَارٍ([5]).
فَانْظُرُوا إِلَى مَنِ اعْتَمَدَ عَلَى نَفْسِهَ، وَتَوَكَّلَ عَلَى رَبِّهِ، كَيْفَ كَانَ النَّجَاحُ حَلِيفَهُ، وَالْفَوْزُ أَلِيفَهُ، فَعَاشَ حَيَاةً طَيِّبَةً، وَحَظِيَ بِمَكَانَةٍ مَرْمُوقَةٍ.
أَيُّهَا الْمُصَلُّونَ: لِمَاذَا نُرَبِّي أَبْنَاءَنَا عَلَى الاِعْتِمَادِ عَلَى النَّفْسِ؟
لأَنَّنَا نُرِيدُ جِيلاً قَوِيًّا يَتَحَمَّلُ أَمَانَةَ الْوَطَنِ، وَيُحَافِظُ عَلَى مَا أَنْجَزَهُ الآبَاءُ، وَيُضِيفُ إِلَيْهِ تَقَدُّمًا وَتَمَيُّزًا وَإِبْدَاعًا، مُسْتَفِيدًا مِنَ الْخِبْرَاتِ السَّابِقَةِ، سَبَّاقًا إِلَى الْمُبَادَرَاتِ، غَيْرَ مُتَّكِلٍ عَلَى غَيْرِهِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ([6]):
مَا حَكَّ جِلْدَكَ مِثْلُ ظُفْرِكْ فَتَوَلَّ أَنْتَ جَمِيعَ أَمْرِكْ
وَبِاعْتِمَادِ الْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ وَتَوَلِّيهِ جَمِيعَ أَمْرِهِ، يَكُونُ لَدَيْنَا جِيلٌ لاَ تُغَيِّرُهُ الرَّفَاهِيَةُ، وَاثِقٌ فِي نَفْسِهِ، مُسْتَقِيمٌ فِي سُلُوكِهِ، قَوِيٌّ فِي شَخْصِيَّتِهِ، يَحْرِصُ عَلَى مَا يَنْفَعُهُ لِتَحْصِيلِ الْمَنَافِعِ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ، وَهِيَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ الأَحْوَالِ وَالأَشْخَاصِ، حَتَّى يَنْفَعَ نَفْسَهُ وَأَهْلَهُ، وَوَطَنَهُ وَمُجْتَمَعَهُ، قَالَ r :« احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلاَ تَعْجزْ»([7]). فَقَدْ قَرَنَ النَّبِيُّ r الاِسْتِعَانَةَ بِاللَّهِ تَعَالَى بِالأَخْذِ بِالأَسْبَابِ لِيَرْتَقِيَ الإِنْسَانُ بِذَاتِهِ، وَيَنْهَضَ بِنَفْسِهِ، وَيُصْقِلَ خِبْرَاتِهِ؛ فَحِينَ لَقِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَاسًا قَالَ: مَنْ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: نَحْنُ الْمُتَوَكِّلُونَ. قَالَ: بَلْ أَنْتُمُ الْمُتَأَكِّلُونَ، إِنَّمَا الْمُتَوَكِّلُ الَّذِي يُلْقِي حَبَّهُ فِي الأَرْضِ، وَيَتَوَكَّلُ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ([8]). فَوَجَّهَهُمْ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى الاِعْتِمَادِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فِي الْبَحْثِ عَنْ أَسْبَابِ الرِّزْقِ.
أَيُّهَا الصَّائِمُونَ: مَتَى يَتَعَلَّمُ الأَبْنَاءُ الاِعْتِمَادَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ ؟
إِنَّ قِيمَةَ الاِعْتِمَادِ عَلَى النَّفْسِ يَتَعَلَّمُهَا الْمَرْءُ مُنْذُ صِغَرِهِ، وَقَدْ كَانَ الْعَرَبُ يُرْسِلُونَ أَبْنَاءَهُمْ إِلَى الْبَادِيَةِ لِيَتَعَلَّمُوا اللِّسَانَ الْفَصِيحَ، وَيَتَحَمَّلُوا شِدَّةَ الْعَيْشِ فِي الصَّحْرَاءِ؛ لِيَكُونُوا ذَوْيِ بَأْسٍ وَقُوَّةٍ عَلَى مُوَاجَهَةِ شُؤُونِ الْحَيَاةِ، وَأَرْسَلَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ النَّبِيَّ r إِلَى بَنِي سَعْدٍ، قَالَ r :« اسْتُرْضِعْتُ فِي بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ»([9]). وَقَدْ جَاءَ قَانُونُ الْخِدْمَةِ الْوَطَنِيَّةِ فِي هَذَا السِّيَاقِ لِيُعَزِّزَ فِي نُفُوسِ الشَّبَابِ قُوَّةَ التَّحَمُّلِ، وَالصَّبْرَ عَلَى الْمَشَاقِّ، وَالاِعْتِمَادَ عَلَى النَّفْسِ، وَالنَّظَرَ إِلَى الْحَيَاةِ بِعَيْنِ الْجِدِّ وَالْمُثَابَرَةِ، وَلَنَا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ r وَصَحَابَتِهِ الْكِرَامِ الْقُدْوَةُ فِي الشيخ/ زايد طَيَّبَ اللَّهُ ثَرَاهُ وَالآبَاءِ الْمُؤَسِّسِينَ، فَقَدْ كَانُوا مَدْرَسَةً فِي الاِعْتِمَادِ عَلَى النَّفْسِ، وَالصَّبْرِ وَالْمُثَابَرَةِ حَتَّى أَسَّسُوا دَوْلَةَ الإِمَارَاتِ الْعَرَبِيَّةِ الْمُتَّحِدَةِ، وَأَقَامُوا حَضَارَتَهَا،وَشَيَّدُوا بُنْيَانَهَا، وَوَحَّدُوا شَعْبَهَا، وَأَعْلَوْا ذِكْرَهَا، وَكَمْ نَحْنُ بِحَاجَةٍ إِلَى غَرْسِ هَذِهِ الْقِيَمِ فِي نُفُوسِ أَبْنَائِنَا. فَمَنْ يُعَلِّمُ الأَبْنَاءَ الاِعْتِمَادَ عَلَى النَّفْسِ؟ إِنَّ الآبَاءَ وَالأُمَّهَاتِ الْمَصْدَرُ الأَوَّلُ وَالأَصِيلُ الَّذِي يَتَلَقَّى مِنْهُ الأَبْنَاءُ مَعَارِفَهُمْ وَقِيَمَهُمْ، فَإِذَا كَانُوا يُدْرِكُونَ أَهَمِيَّةَ زَرْعِ الثِّقَةِ فِي نُفُوسِ النَّشْءِ لِلاِعْتِمَادِ عَلَى الذَّاتِ فِي الْوُصُولِ لِلأَهْدَافِ وَالتَّشْجِيعِ عَلَى ذَلِكَ؛ فَإِنَّ الأَبْنَاءَ يَنْشَؤُونَ قَادِرِينَ عَلَى مُوَاجَهَةِ الْحَيَاةِ، يَعْرِفُونَ قَدْرَ النِّعَمِ وَيَصُونُونَهَا، وَلاَ يَخْشَوْنَ الصِّعَابَ بَلْ يَتَغَلَّبُونَ عَلَيْهَا، وَهَذِهِ الْمَعَانِي النَّبِيلَةُ تُعَزِّزُهَا الْمَدْرَسَةُ، كَمَا أَنَّ لِمَجَالِسِ الرِّجَالِ دَوْرَهَا فِي إِكْسَابِ الأَبْنَاءِ مَظَاهِرَ الرُّجُولَةِ فِي الْحَدِيثِ وَالتَّعَامُلِ، وَإِدَارَةِ الأُمُورِ وَحَلِّ الْمُشْكِلاَتِ، وَقَدْ كَانَ لِهَذِهِ الْمَجَالِسِ أَثَرُهَا الْبَارِزُ فِي نَشْأَةِ النَّبِيِّ r حَيْثُ كَانَ يُوضَعُ لِجَدِّهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فِرَاشٌ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ وَكَانَ لاَ يَجْلِسُ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ بَنِيهِ إِجْلاَلاً لَهُ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يَأْتِي حَتَّى يَجْلِسَ عَلَيْهِ، فَيَذْهَبُ أَعْمَامُهُ يُؤَخِّرُونَهُ فَيَقُولُ جَدُّهُ: دَعُوا ابْنِي([10]).
وَهَذَا مِنْ تَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ r أَنْ يَتَرَبَّى فِي مَجَالِسِ الرِّجَالِ وَكِبَارِ الْقَوْمِ، فَلَمَا كَبُرَ r قَادَ الرِّجَالَ، وَسَاسَ الأُمَمَ.
فَاللَّهُمَّ ارْزُقْنَا السَّدَادَ فِي الرَّأْيِ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ، وَيَسِّرْ لَنَا مَا يَنْفَعُنَا، وَوَفِّقْنَا لِطَاعَتِكَ، وَطَاعَةِ رَسُولِكَ مُحَمَّدٍ r وَطَاعَةِ مَنْ أَمَرْتَنَا بِطَاعَتِهِ، عَمَلاً بِقَوْلِكَ: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ)
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
– الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
رمضان شهر الانتصارات
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وَعَلَى أَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ، وَعَلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ ، واعْلَمُوا أنَّ شهرَ رمضانَ هو شهرُ الانتصاراتِ الكُبْرى التي غَيَّرتْ مَجْرَى التاريخِ ، وانتقلتْ بالمسلمينَ مِنْ ضعفٍ إلى قُوَّةٍ ، ومِنْ ذِلَّةٍ إلى عِزَّةٍ .
ومِن أَهَمِّ وأكبرِ وأعظمِ هذهِ الانتصاراتِ انتصارُ المسلمينَ في غَزْوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى في السابعِ عَشَرَ مِنْ شهرِ رمضانَ في السَّنةِ الثانيةِ مِنَ الهجرةِ. لقد سَجَّل القرآنُ هذا النصرَ بأَحْرُفٍ مِنْ نُورٍ، وَوَجَّهَ إلى المحافظةِ عليهِ بالمزيدِ مِنَ التَّقْوَى والشُّكْرِ، قالَ تعالَى: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) ([11]) .
وقالَ تعالَى في سُورةِ الأنفالِ مُذَكِّراً المؤمنينَ بأحوالِهم التي كانوا عليها قَبْلَ غزوةِ بَدْرٍ مِنَ القِلَّةِ والضعفِ، والذِّلَّةِ والخوْفِ، وأحوالِهم التي أَصْبَحُوا عليها بَعْدَ غزوةِ بدرٍ مِنَ المأْوَى والنصرِ، والقُوَّةِ والأمنِ، والرِّزقِ والغنائمِ : (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) ([12]) .
عِبادَ اللهِ : لقد كان يومُ بدرٍ يوماً فارقاً في التاريخِ ، ولِذلكَ سَمَّاهُ اللهُ يومَ الفُرْقَانِ لِمَا أَنْزَلَ فيهِ علَى عَبْدِهِ محمدٍ r مِنَ المددِ والنصرِ الذي فَرَّقَ بِهِ بَيْنَ الحقَّ والباطلِ ، قالَ تعالَى : ( وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ([13]) .
إنَّ أُمَّتَنا في هذهِ المرحلةِ الرَّاهِنةِ بحاجَةٍ مَاسَّةٍ إلى تَذَكُّرِ هذا النصرِ الذي تَنَزَّلَ يومَ بدرٍ وَأَخْذِ العِبْرةِ مِنْهُ، لِأنَّ هذا النصرَ يَطْرُدُ الإحباطَ واليأسَ، ويَزْرَعُ الثِّقَةَ والأملَ في نُفُوسِ المسلمينَ إلى يومِ القيامةِ، قالَ تعالَى:(قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ) ([14]) .
ولِمَنْزِلَةِ ومكانةِ هذه الغزوةِ في تاريخِ الإسلامِ قالَ النَّبِيُّ r :” لَعَلَّ اللهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ، فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ “([15]).
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أُمِرْتُمْ بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r:« مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً»([16]).
اللَّهُمَّ ارْحَمْ شُهَدَاءَ الْوَطَنِ وقُوَّاتِ التَّحَالُفِ الأَبْرَارَ، وَأَنْزِلْهُمْ مَنَازِلَ الأَخْيَارِ، وَارْفَعْ دَرَجَاتِهِمْ فِي عِلِّيِّينَ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ، يَا عَزِيزُ يَا كَرِيمُ. اللَّهُمَّ اجْزِ خَيْرَ الْجَزَاءِ أُمَّهَاتِ الشُّهَدَاءِ وَآبَاءَهُمْ وَزَوْجَاتِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ جَمِيعًا، اللَّهُمَّ انْصُرْ قُوَّاتِ التَّحَالُفِ الْعَرَبِيِّ، الَّذِينَ تَحَالَفُوا عَلَى رَدِّ الْحَقِّ إِلَى أَصْحَابِهِ، اللَّهُمَّ كُنْ مَعَهُمْ وَأَيِّدْهُمْ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَهْلَ الْيَمَنِ إِلَى كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْمَعْهُمْ عَلَى كَلِمَةِ الْحَقِّ وَالشَّرْعِيَّةِ، وَارْزُقْهُمُ الرَّخَاءَ وَالاِسْتِقْرَارَ يَا أَكْرَمَ الأَكْرَمِينَ. اللَّهُمَّ ارْضَ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ الأَكْرَمِينَ. اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ، عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، وَنَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ لَنَا وَلِوَالدينَا، وَلِمَنْ لَهُ حَقٌّ عَلَيْنَا، وَلِلْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْ رَئِيسَ الدَّوْلَةِ، الشَّيْخ خليفة بن زايد، وَأَدِمْ عَلَيْهِ مَوْفُورَ الصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ، وَاجْعَلْهُ يَا رَبَّنَا فِي حِفْظِكَ وَعِنَايَتِكَ، وَوَفِّقِ اللَّهُمَّ نَائِبَهُ الشيخ محمد بن راشد لِمَا تُحِبُّهُ وَتَرْضَاهُ، وَأَيِّدْ إِخْوَانَهُ حُكَّامَ الإِمَارَاتِ وأولياءَ عُهودِهم أجمعينَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، اللَّهُمَّ ارْحَمِ الشَّيْخ زَايِد، والشيخ راشد ،وَالشَّيْخ مَكْتُوم، وَشُيُوخَ الإِمَارَاتِ الَّذِينَ انْتَقَلُوا إِلَى رَحْمَتِكَ، وَأَدْخِلِ اللَّهُمَّ فِي عَفْوِكَ وَغُفْرَانِكَ وَرَحْمَتِكَ آبَاءَنَا وَأُمَّهَاتِنَا وَجَمِيعَ أَرْحَامِنَا وَمَنْ لَهُ حَقٌّ عَلَيْنَا. اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ الْمَغْفِرَةَ والثَّوَابَ لِمَنْ بَنَى هَذَا الْمَسْجِدَ وَلِوَالِدَيْهِ، وَلِكُلِّ مَنْ عَمِلَ فِيهِ صَالِحًا وَإِحْسَانًا، وَاغْفِرِ اللَّهُمَّ لِكُلِّ مَنْ بَنَى لَكَ مَسْجِدًا يُذْكَرُ فِيهِ اسْمُكَ. اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعًا مَرْحُوْمًا، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقًا مَعْصُوْمًا، وَلاَ تَدَعْ فِيْنَا وَلاَ مَعَنَا شَقِيًّا وَلاَ مَحْرُوْمًا. اللَّهُمَّ احْفَظْ دَوْلَةَ الإِمَارَاتِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَأَدِمْ عَلَيْهَا الأَمْنَ وَالأَمَانَ وسائرَ بلادِ المسلمينَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ. اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَلاَ تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ، وَأَنْبِتْ لَنَا مِنْ بَرَكَاتِ الأَرْضِ.
اللَّهُمَّ إنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذابِ جَهَنَّم ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذابِ القَبْرِ ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المسِيحِ الدَّجَّالِ ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المحْيَا والممَاتِ .رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.