– سُورَةُ الْكَهْفِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا، وَجَعَلَ لِمَنِ اتَّقَاهُ فَرَجًا وَمَخْرَجًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، أَنْزَلَ الْقُرْآنَ هِدَايَةً وَنُورًا، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ ومَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ وَطَاعَتِهِ، قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ] وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [ ([1]).
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ سُورَ الْقُرْآنِ مَلِيئَةٌ بِالْعِبَرِ وَالْعِظَاتِ، وَلِكُلِّ سُورَةٍ جَمَالُهَا وَجَلاَلُهَا، وَدُرُوسُهَا وَعِبَرُهَا، وَسُورَةُ الْكَهْفِ سُورَةٌ كَرِيمَةٌ، وَمَكَانَتُهَا جَلِيلَةٌ، يَقْرَأُهَا الْمُسْلِمُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، ابْتِغَاءً لِلأَجْرِ, وَتَحَرِّيًا لِلْفَضْلِ، وَطَلَبًا لِلنُّورِ الَّذِي يُضِيءُ لِقَارِئِهَا مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :« مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَضَاءَ لَهُ مِنَ النُّورِ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ»([2]). فَلِقِرَاءَتِهَا فَوَائِدُ عَظِيمَةٌ، وَفَضَائِلُ كَبِيرَةٌ، فَمَنْ حَفِظَهَا وَتَدَبَّرَهَا وَعَمِلَ بِهَا حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْفِتَنِ.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :« مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ- وَفِي رِوَايَةٍ: مِنْ آخِرِ الْكَهْفِ([3])- عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ»([4]).
وَسُمِّيَتْ بِسُورَةِ الْكَهْفِ لِمَا وَرَدَ فِيَها مِنْ ذِكْرِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ وَمَا كَانَ مِنْ شَأْنِهِمْ، وَحَوَتِ الْكَثِيرَ مِنَ الْعِظَاتِ وَالْفَوَائِدِ، وَالْمَعَانِي وَالْفَرَائِدِ، الَّتِي يَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَى تَذَكُّرِهَا وَالْعَمَلِ بِهَا, فَقَدِ ابْتَدَأَتْ بِإِنْذَارِ الْمُعْرِضِينَ, وَبِشَارَةِ الْمُؤْمِنِينَ, قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ] لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ [ ([5]). وَخُتِمَتِ السُّورَةُ بِبَيَانِ جَزَاءِ الْفَرِيقَيْنِ: الأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً وَمَصِيرِهِمْ, وَالَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ وَجَزَائِهِمْ, فَهُمَا فَرِيقَانِ: فَرِيقٌ أَطَاعَ اللَّهَ فَنَالَ رِضْوَانَهُ، وَظَفِرَ بِالسَّعَادَةِ الأَبَدِيَّةِ، وَفَرِيقٌ أَعْرَضَ فَكَانَ جَزَاؤُهُ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ.
وَنَبَّهَتِ السُّورَةُ إِلَى أَهَمِّيَّةِ الْكَلِمَةِ، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنْ خَطَرٍ عَظِيمٍ, وَأَثَرٍ جَسِيمٍ عَلَى الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ, قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ] كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ [ ([6]). فَإِطْلاَقُ الْكَلاَمِ مِنْ غَيْرِ تَأَكُّدٍ وَلاَ تَثَبُّتٍ, وَدُونَ نَظَرٍ فِي عَوَاقِبِهِ وَمَآلاَتِهِ, يَجُرُّ عَلَى صَاحِبِهِ الْوَيْلَ وَالْهَلاَكَ، وَعَلَى الْمُجْتَمَعِ الْفِتَنَ وَالْبَلاَءَ, فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنَ الْكَلاَمِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ بَيِّنَةٍ.
قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :« إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ مَا فِيهَا، يَهْوِي بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ»([7]).
أَيُّهَا الْمُصَلُّونَ: وَتَدْعُونَا سُورَةُ الْكَهْفِ إِلَى تَحْقِيقِ التَّوَازُنِ بَيْنَ السَّعْيِ فِي الدُّنْيَا وَطَلَبِ الآخِرَةِ، بِأَنْ نَعْمَلَ لِعِمَارَةِ الدُّنْيَا، وَنَجْتَهِدَ لِلْفَوْزِ بِالآخِرَةِ، قَالَ سُبْحَانَهُ: ] وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا [ ([8]). فَطَغَى حُبُّ الدُّنْيَا عَلَى قَلْبِ أَحَدِهِمَا، حَتَّى شَكَّ فِي الْيَوْمِ الآخِرِ وَقَالَ: ] وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا ﭼ ([9]). وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ إِيمَانُهُ بِاللَّهِ رَاسِخًا، فَقَالَ: ] لَكِنَّاْ هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً [ ([10]). وَنَصَحَ صَاحِبَهُ بِرِفْقٍ وَلِينٍ، وَذَكَّرَهُ بِنِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِ قَائِلاً: ] وَلَوْلاَ إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ [ ([11]). فَمَا أَجْمَلَ أَنْ يَسْتَشْعِرَ الْمَرْءُ فَضْلَ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَيَشْكُرَهُ عَلَى مَا أَكْرَمَهُ بِهِ.
يَا قُرَّاءَ سُورَةِ الْكَهْفِ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى هَيَّأَ لِلإِنْسَانِ فِي الأَرْضِ أَسْبَابَ الْمَعِيشَةِ وَالْحَيَاةِ الطَّيِّبَةِ، لِيَعْبُدَ رَبَّهُ، وَيُحْسِنَ إِلَى عِبَادِهِ، وَيَبْذُلَ الْخَيْرَ وَالإِحْسَانَ، وَيَنْشُرَ السَّلاَمَ وَالْوِئَامَ، وَذَكَّرَهُ بِأَنَّهُ مُحَاسَبٌ عَلَى مَا يَعْمَلُ، وَأَنَّ أَعْمَالَهُ مَحْفُوظَةٌ فِي كِتَابٍ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا، قَالَ تَعَالَى: ] وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَا لِهَذَا الْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا ﭼ ([12]). وَقَالَ تَعَالَى: ] مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ ([13]). فَالْجَزَاءُ فِي الآخِرَةِ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ، فَمَنِ اجْتَهَدَ فِي دُنْيَاهُ، وَاتَّقَى مَوْلاَهُ؛ فَازَ بِأَرْفَعِ الدَّرَجَاتِ فِي أُخْرَاهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ] إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا* أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا[ ([14]).
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَتُعَلِّمُنَا سُورَةُ الْكَهْفِ كَيْفَ يَكُونُ الصَّبْرُ عَلَى طَلَبِ الْعِلْمِ وَالْمُثَابَرِة فِي تَحْصِيلِهِ، مِنْ خِلاَلِ قِصَّةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ مَعَ الْخَضِرِ فَقَدْ سَافَرَ إِلَيْهِ لِيَتَعَلَّمَ عَلَى يَدَيْهِ] قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً [ ([15]). فَكَانَ نِعْمَ الْمُتَعَلِّمُ الْمُتَأَدِّبُ وَنِعْمَ الْقُدْوَةُ فِي الْحِرْصِ قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلاَ أَعْصِي لَكَ أَمْرًا [ ([16]). فَطَالِبُ الْعِلْمِ يَكُونُ مُتَأَنيًا صَابِرًا، بَلْ مُصَابِرًا مُتَحَمِّلاً عَنَاءَ طَلَبِ الْعِلْمِ, مُتَوَاضِعًا لِلْمُعَلِّمِ، حَتَّى يَكْتَسِبَ الْمَعْرِفَةَ وَالْفَائِدَةَ، فَإِنَّ الْعِلْمَ عِصْمَةٌ مِنَ الْفِتَنِ، وَحَصَانَةٌ مِنَ الضَّلاَلِ. وَقَدْ حَذَّرَنَا اللَّهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْكَهْفِ مِنْ أَهْلِ الْبَاطِلِ وَالْفِتَنِ، الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ يُصْلِحُونَ، وَهَذَا يَنْطَبِقُ عَلَى أَهْلِ التَّطَرُّفِ وَالتَّشَدُّدِ، الَّذِينَ يَرْفَعُونَ الشِّعَارَاتِ الْبَرَّاقَةَ، وَالْكَلِمَاتِ الرَّنَّانَةَ، ظَانِّينَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا، قَالَ تَعَالَى: ] قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا* الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا [ ([17]).
وَاعْلَمُوا عِبادَ اللهِ أَنَّ فِي قِصَّةِ ذِي الْقَرْنَيْنِ أُنْمُوذَجًا لِقَائِدٍ مَكَّنَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ فِي الأَرْضِ، فَنَشَرَ الأَمَانَ، وَأَقَامَ الْعَدْلَ، وَرَفَعَ الظُّلْمَ، وَنَصَرَ الْمُسْتَضْعَفِينَ الَّذِينَ اسْتَنْجَدُوا بِهِ، قَالَ اللَّهُ: ] قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا [ ([18]). فَلَبَّى نِدَاءَهُمْ، وَهَبَّ لِنَجْدَتِهِمْ، بِلاَ تَرَدُّدٍ وَلاَ تَأَخُّرٍ: ] مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا [ ([19]). فَنُصْرَةُ الْمَظْلُومِ وَاجِبَةٌ, وَمُسَاعَدَتُهُ لاَزِمَةٌ لِرَدْعِ الْمُفْسِدِينَ, وَحِمَايَةِ الدِّينِ وَالأَرْضِ وَالْعِرْضِ، وَفِي هَذَا السِّيَاقِ حَرَصَتْ قِيَادَتُنَا الرَّشِيدَةُ عَلَى الْوُقُوفِ مَعَ الْمَظْلُومِ, وَرَدِّ الْحَقِّ لِأَصْحَابِهِ، تَأْيِيدًا لِنُصْرَةِ أَشِقَّائِنَا فِي الْيَمَنِ وَدَعْمًا لَهُمْ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
سورة الكهف والصحة النفسية
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وَعَلَى أَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ، وَعَلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ وَطَاعَتِهِ، وَاعْلَمُوا أَنَّنا في إطارِ دَعْمِ حَمْلَةِ التَّوْعِيَةِ النَّفْسِيَّةِ التي تُنَظِّمُهَا هَيْئَةُ الصِّحَّةِ في دُبي بمناسبةِ اليومِ العالميِّ للصحةِ النَّفْسِيَّةِ نُؤَكِّدُ علَى أنَّ قِراءةَ سورةِ الكهفِ بِصِفَةٍ خَاصَّةٍ، وقِرَاءَةَ القرآنِ بِصِفَةٍ عَامَّةٍ تَتَنَزَّلُ بِها السَّكِينةُ التي تَجْعَلُ حياةَ الإنسانِ حياةً طيبةً خاليةً مِنَ القَلَقِ والتَّوَتُّرِ والاكتئابِ والفِتَنِ وسائرِ الاضطراباتِ النفسيةِ التي يُعَانِي مِنها مِئاتُ الملايينِ مِنَ الناسِ حَوْلَ العالَمِ، قال تعالَى: ] يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ [ ([20]) وقال: ] الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [ ([21]).
وَاعْلَمُوا عِبادَ اللهِ أنَّ سُورةَ الكهفِ لَهَا خَصَائِصُ كَثِيرَةٌ، وَمِنْ خصائصِها أنَّها تُشِعُّ النُّورَ والضِّياءَ، فقد قال النبُّي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :« مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ سَطَعَ لَهُ نُورٌ مِنْ تَحْتِ قَدَمِهِ إلى عَنَانِ السَّمَاءِ يُضِيئُ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَغُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ»([22]).
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ: «مَنْ قَرأَ سُورةَ الكَهْفِ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ أَضَاءَ لَهُ مِنَ النُّورِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ البَيْتِ العَتِيقِ»([23]).
ومِنْ خَصائصِ سُورةِ الكهفِ أنَّها تُشِيعُ السَّكِينَةَ والطُّمَأْنِيَنةَ في حياةِ المسلمِ، فعَنِ الْبَرَاءِ رضي الله عنه قَالَ : كَانَ رَجُلٌ يَقْرَأُ سُورَةَ الْكَهْفِ ، وَإِلَى جَانِبِهِ حِصَانٌ مَرْبُوطٌ بِشَطَنَيْنِ ، فَتَغَشَّتْهُ سَحَابَةٌ ، فَجَعَلَتْ تَدْنُو وَتَدْنُو ، وَجَعَلَ فَرَسُهُ يَنْفِرُ ، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ ، فَقَالَ : ” تِلْكَ السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ بِالْقُرْآنِ “([24]).
ومِنْ خَصَائصِ سورةِ الكهفِ أنَّها عِصْمَةٌ وأَمَانٌ مِنَ الفِتَنِ، وَأَعْظَمُ الفِتَنِ فِتْنَةُ المسِيحِ الدَّجَّالِ، فَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي اللهُ عنهُ عنِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:« مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ»([25]) .
ولِهذا كانتْ لِلسَّلَفِ الصَّالِحِ عِنايةٌ خاصَّةٌ بِقراءةِ سورةِ الكهفِ، فَعَنْ صَفيَّة بِنتِ أَبِي عُبَيْدٍ أنَّها سَمِعَتْ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ يَقْرأُ في صلاةِ الفَجْرِ بِسُورَةِ أَصحابِ الكهفِ. ([26]) وعَنْ أُمِّ مُوسَى قالت: كان الحَسَنُ ابْنُ عَلِيٍّ يَقْرَأُ سُورَةَ الكهفِ كُلَّ لَيْلَةٍ([27])
وَقَالَ صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَل: كنتُ أَسْمَعُ أَبِي كَثيراً يَتْلُو سورةَ الكهفِ([28]) .
فَحَافِظُوا يا عِبادَ اللهِ علَى قِراءةِ سورةِ الكهفِ فإنَّهُ يُرْجَى لِمنْ قَرأَ هذه السُّورةَ المباركةَ أنْ تَتَنَزَّلَ عليهِ السَّكِينةُ، وأنْ يُضِيئَ اللهُ لَهُ حياتَهُ، وأنْ يَنْشُرَ اللهُ لَهُ مِنْ رحمتِهِ، وأَنْ يُهَيِّئَ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ مِرْفَقا، وأنْ يَجْعَلَ لهُ كَهْفَاً يَأْوِي إليهِ مِنَ الفِتَنِ والمخاوفِ والاضطراباتِ.
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أُمِرْتُمْ بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ، قَالَ تَعَالَى: ] إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [ ([29]). اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ. اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا بِكِتَابِكَ مُتَمَسِّكِينَ، وَلَهُ تَالِينَ، وَلآيَاتِهِ مُتَدَبِّرِينَ، وَلِعِظَاتِهِ مُتَأَمِّلِينَ، وَاجْعَلْهُ لَنَا حُجَّةً وَنُورًا يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
اللَّهُمَّ ارْحَمْ شُهَدَاءَ الْوَطَنِ وقُوَّاتِ التَّحَالُفِ الأَبْرَارَ، وَأَنْزِلْهُمْ مَنَازِلَ الأَخْيَارِ، وَارْفَعْ دَرَجَاتِهِمْ فِي عِلِّيِّينَ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ، يَا عَزِيزُ يَا غَفَّارُ. اللَّهُمَّ اجْزِ خَيْرَ الْجَزَاءِ أُمَّهَاتِ الشُّهَدَاءِ وَآبَاءَهُمْ وَزَوْجَاتِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ جَمِيعًا، اللَّهُمَّ انْصُرْ قُوَّاتِ التَّحَالُفِ الْعَرَبِيِّ، الَّذِينَ تَحَالَفُوا عَلَى رَدِّ الْحَقِّ إِلَى أَصْحَابِهِ، اللَّهُمَّ كُنْ مَعَهُمْ وَأَيِّدْهُمْ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَهْلَ الْيَمَنِ إِلَى كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْمَعْهُمْ عَلَى كَلِمَةِ الْحَقِّ وَالشَّرْعِيَّةِ، وَارْزُقْهُمُ الرَّخَاءَ وَالاِسْتِقْرَارَ يَا أَكْرَمَ الأَكْرَمِينَ.
اللَّهُمَّ لاَ تَدَعْ لَنَا ذَنْبًا إِلاَّ غَفَرْتَهُ، وَلاَ هَمًّا إِلاَّ فَرَّجْتَهُ، وَلاَ دَيْنًا إِلاَّ قَضَيْتَهُ، وَلاَ مَرِيضًا إِلاَّ شَفَيْتَهُ، وَلاَ مَيِّتًا إِلاَّ رَحِمْتَهُ، وَلاَ حَاجَةً إِلاَّ قَضَيْتَهَا وَيَسَّرْتَهَا يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
اللَّهُمَّ ارْضَ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَسَائِرِ الصَّحَابَةِ الأَكْرَمِينَ. اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ لَنَا وَلِوَالدينَا، وَلِمَنْ لَهُ حَقٌّ عَلَيْنَا، وَلِلْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا رَئِيسَ الدولةِ، الشيخ خليفة بن زايد وَأَدِمْ عَلَيْهِ مَوْفُورَ الصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ، وَاجْعَلْهُ يَا رَبَّنَا فِي حِفْظِكَ وَعِنَايَتِكَ، وَوَفِّقِ اللَّهُمَّ نَائِبَهُ الشيخ محمد بن راشد لِمَا تُحِبُّهُ وَتَرْضَاهُ، وَأَيِّدْ إِخْوَانَهُ حُكَّامَ الإِمَارَاتِ وأولياءَ عُهودِهم أجمعين.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، اللَّهُمَّ ارْحَمِ الشَّيْخ زَايِد، وَالشَّيْخ راشد، وَالشَّيْخ مَكْتُوم، وَشُيُوخَ الإِمَارَاتِ الَّذِينَ انْتَقَلُوا إِلَى رَحْمَتِكَ، وَأَدْخِلِ اللَّهُمَّ فِي عَفْوِكَ وَغُفْرَانِكَ وَرَحْمَتِكَ آبَاءَنَا وَأُمَّهَاتِنَا وَجَمِيعَ أَرْحَامِنَا وَمَنْ لَهُ حَقٌّ عَلَيْنَا.
اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ الْمَغْفِرَةَ والثَّوَابَ لِمَنْ بَنَى هَذَا الْمَسْجِدَ وَلِوَالِدَيْهِ، وَلِكُلِّ مَنْ عَمِلَ فِيهِ صَالِحًا وَلِكُلِّ مَنْ بَنَى لَكَ مَسْجِدًا يُذْكَرُ فِيهِ اسْمُكَ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعًا مَرْحُوْمًا، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقًا مَعْصُوْمًا، وَلاَ تَدَعْ فِيْنَا وَلاَ مَعَنَا شَقِيًّا وَلاَ مَحْرُوْمًا. اللَّهُمَّ إنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذابِ جَهَنَّم، ونَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذابِ القَبْر، ونَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المسِيحِ الدَّجَّال، ونَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المحْيَا والممَات.
اللَّهُمَّ احْفَظْ دَوْلَةَ الإِمَارَاتِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَأَدِمْ عَلَيْهَا الأَمْنَ وَالأَمَانَ وسَائِرَ بِلادِ المسلمينَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
اللَّهُمَّ أَنْتَ اللَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْغَنِيُّ وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ، أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ، وَاجْعَلْ مَا أَنْزَلْتَ لَنَا قُوَّةً وَبَلَاغًا إِلَى حِينٍ» «اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا» «اللَّهُمَّ اسْقِ عِبَادَكَ، وَبَهَائِمَكَ، وَانْشُرْ رَحْمَتَكَ، وَأَحْيِ بَلَدَكَ الْمَيِّتَ» «اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا، مَرِيئًا مَرِيعًا، نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ، عَاجِلًا غَيْرَ آجِلٍ».
عِبادَ اللَّهِ: ] إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [
اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكرُوهُ علَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ] وَأَقِمِ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ [