خطبة من سيرة الصحابة

جوجل بلس

Table of Contents

– مِنْ سِيَرِ الصَّحَابَةِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَسَلاَمٌ عَلَى عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ، اخْتَارَ لِنَبِيِّهِ صَحَابَتَهُ، فَهُمْ مِنْ بَعْدِهِ أَئِمَةُ الْهُدَى، وَمَصَابِيحُ الدُّجَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ ومَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ وَطَاعَتِهِ، قَالَ سُبْحَانَهُ: ]ﭐ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا [ ([1]).
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ أَصْحَابًا، يُؤَازِرُونَهُ فِي إِحْقَاقِ الْحَقِّ وَإِظْهَارِ الصَّوَابِ، وَيُبَلِّغُونَ مِنْ بَعْدِهِ مَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ شَرِيعَةٍ أَوْ كِتَابٍ، وَاخْتَارَ اللَّهُ تَعَالَى لِخَاتَمِ رُسُلِهِ خَيْرَ الأَصْحَابِ، فَأَيَّدُوهُ وَنَصَرُوهُ، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ]ﭐ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ[ ([2]). فَهُمْ خَيْرُ هَذِهِ الأُمَّةِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُمْ أَرْسَخُ النَّاسِ عِلْمًا، وَأَبَرُّهُمْ قُلُوبًا، وَأَقَلُّهُمْ تَكَلُّفًا، وَأَصْدَقُهُمْ لَهْجَةً([3]). كَانُوا فِي الدُّنْيَا لِلَّهِ أَوْلِيَاءَ، وَلِعِبَادِ اللَّهِ نُصَحَاءَ، وَبَعْدَ الْمَوْتِ بِسِيرَتِهِمُ الْعَطِرَةِ أَحْيَاءً([4]). زَكَّاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:« خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي»([5]). وَبَايَعُوهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ ، فَبَارَكَ اللَّهُ تَعَالَى فِي عَلْيَائِهِ بَيْعَتَهُمْ، وَرَضِيَ عَنْهُمْ، قَالَ سُبْحَانَهُ: ]ﭐ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا [ ([6]). فَهُمْ أَهْلُ الصِّدْقِ وَالْوَفَاءِ، وَالطُّهْرِ وَالنَّقَاءِ، أَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَعْرِفَ لَهُمْ فَضْلَهُمْ، وَحَذَّرَنَا مِنَ انْتِقَاصِهِمْ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :« لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلاَ نَصِيفَهُ»([7]). أَيْ: لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ ثَوَابُهُ ثَوَابَ نَفَقَةِ أَحَدِ أَصْحَابِي مُدًّا، وَلَا نِصْفَ مُدٍّ([8]).
عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ أَفْضَلَ الصَّحَابَةِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ الْعَشَرَةُ الْمُبَشَّرُونَ بِالْجَنَّةِ، ثُمَّ الْبَدْرِيُّونَ، ثُمَّ أَصْحَابُ أُحُدٍ، ثُمَّ أَهْلُ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ، ثُمَّ بَقِيَّتُهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ جَمِيعًا، وَكُلُّهُمْ وَعَدَهُمُ اللَّهُ الْجَنَّةَ؛ قَالَ تَعَالَى: ]ﭐ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [ ([9]). وَأَوَّلُ الْمُبَشَّرِينَ بِالْجَنَّةِ الصَّحَابِيُّ الْجَلِيلُ سَيِّدُنَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الرِّجَالِ، وَلُقِّبَ بِالصِّدِّيقِ لأَنَّهُ لَمْ يَتَرَدَّدْ فِي تَصْدِيقِ حَادِثَةِ الإِسْرَاءِ، وَكَانَ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَى قَلْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ سُئِلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ:« عَائِشَةُ». قِيلَ: مِنَ الرِّجَالِ؟ قَالَ:« أَبُوهَا»([10]). وَجَمَعَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ، فِي مُصْحَفٍ وَاحِدٍ، وَأَرْسَى دَعَائِمَ الاِسْتِقْرَارِ وَالأَمَانِ، وَالْوَحْدَةِ وَالْوِئَامِ، فَكَانَ أُنْمُوذَجًا فِي تَحَمُّلِ الْمَسْؤُولِيَّةِ، وَرِعَايَةِ الأَمَانَةِ، وَالْحِرْصِ عَلَى اسْتِقْرَارِ مُجْتَمَعِهِ وَوَحْدَةِ كَلِمَتِهِ.
أَيُّهَا الْمُصَلُّونَ: وَالثَّانِي فِي الْفَضْلِ: الصَّحَابِيُّ الْجَلِيلُ سَيِّدُنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :« اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ»([11]). وَهُوَ أَحَدُ الْمُبَشَّرِينَ بِالْجَنَّةِ، أَعَزَّ اللَّهُ تَعَالَى بِإِسْلاَمِهِ الْمُسْلِمِينَ، فجهَرُوا بِالدَّعْوَةِ فَلُقِّبَ بِالْفَارُوقِ، وَصَاهَرَهُ النَّبِيُّ r فَتَزَوَّجَ ابْنَتَهُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ حَفْصَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَتَزَوَّجَ عُمَرُ مِنَ السَّيِّدَةِ أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ جَمِيعًا([12])، قَالَ فِيهِ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: عِلْمِي فِيهِ أَنَّ سَرِيرَتَهُ خَيْرٌ مِنْ عَلاَنِيَتِهِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ فِينَا مِثْلُهُ([13]).
فَرَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْفَارُوقِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ؛ قَدَّمَ مِثَالاً رَائِعًا لِلْعَقْلِ وَالْحِكْمَةِ وَالْحَزْمِ وَالْجِدِّ وَالْعَدْلِ.
عِبَادَ اللَّهِ: وَثَالِثُهُمُ الصَّحَابِيُّ الْجَلِيلُ سَيِّدُنَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهُوَ مِنْ أَوَائِلِ الصَّحَابَةِ إِسْلاَمًا، بَشَّرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجَنَّةِ، وَبَايَعَ عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ، وَكَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَيِيًّا تَسْتَحِي مِنْهُ الْمَلاَئِكَةُ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ:« أَلاَ أَسْتَحِي مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحِي مِنْهُ الْمَلاَئِكَةُ»([14]). وَزَوَّجَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَتَهُ رُقَيَّةَ، فَلَمَّا تُوفِّيَتْ زَوَّجَهُ أُمَّ كُلْثُومٍ، فَلُقِّبَ بِذِي النُّورَيْنِ، وَهُوَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ، وَكَانَ مِثَالاً فَرِيدًا فِي خِدْمَةِ مُجْتَمَعِهِ، وَالْمُشَارَكَةِ الْفَعَّالَةِ فِي حَلِّ مَشَاكِلِهِ، فَاشْتَرَى بِئْرَ رُومَةَ. وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:« مَنْ يَزِيدُ فِي مَسْجِدِنَا هَذَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ؟»([15]). فَكَانَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَنْ زَادَ فِيهِ، وَجَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :« مَا ضَرَّ عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ اليَوْمِ»([16]).
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَرَابِعُ الصَّحَابَةِ فِي الْمَكَانَةِ وَالْفَضْلِ؛ الصَّحَابِيُّ الْجَلِيلُ سَيِّدُنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، ابْنُ عَمِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مِنَ الْعَشَرَةِ الْمُبَشَّرِينَ بِالْجَنَّةِ، وَأَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الْفِتْيَانِ، وَزَوْجُ السَّيِّدَةِ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى جِوَارِ أَبِي بَكْرٍ يُؤَازِرُهُ، كَمَا كَانَ كَذَلِكَ مَعَ عُمَرَ، وَيَعْرِفُ لَهُمَا فَضْلَهُمَا وَتَقَدُّمَهُمَا، فَعَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي ـ أَيْ: عَلِيٍّ ـ : مَنْ خَيْرُ النَّاسِ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَ: أَبُو بَكْرٍ. قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ عُمَرُ. قُلْتُ: ثُمَّ أَنْتَ؟ قَالَ: مَا أَنَا إِلَّا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ([17]).
وَدَافَعَ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ عَنْ سَيِّدِنَا عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَكَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَالِمًا حَكِيمًا، شُجَاعًا مِقْدَامًا، تَصَدَّى لِفِتْنَةِ الْخَوَارِجِ الَّذِينَ كَفَّرُوا الْمُسْلِمِينَ وَاسْتَحَلُّوا دِمَاءَهُمْ، وَوَقَى الْمُجْتَمَعَ مِنْ شَرِّهِمْ وَخَطَرِهِمْ، فرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَنْ بَقِيَّةِ الْعَشَرَةِ الْمُبَشَّرِينَ بِالْجَنَّةِ مِنَ الصَّحَابَةِ الأَجِلاَّءِ: طَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، وَأَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمْ مَوَاقِفُ جَلِيلَةٌ، فَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَعَنْ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ. فَاللَّهُمَّ ارْزُقْنَا حُبَّ نَبِيِّكَ، وَحُبَّ أَصْحَابِهِ، وَوَفِّقْنَا جَمِيعًا لِطَاعَتِكَ وَطَاعَةِ رَسُولِكَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ r وَطَاعَةِ مَنْ أَمَرْتَنَا بِطَاعَتِهِ, عَمَلاً بِقَوْلِكَ: ]ﭐ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ [  ([18]).
نَفَعَنِي اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَبِسُنَّةِ نَبِيِّهِ الْكَرِيمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ


الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وَعَلَى أَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ، وَعَلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أما بعد: فأُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللَّهِ وَطَاعَتِهِ، وَالتَّأَسِي بِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعْرِفَةِ سِيَرِ صَحَابَتِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَحُبِّهِمْ وَتَقْدِيرِ مَكَانَتِهِمْ، وَتَعْظِيمِ مَنْزِلَتِهِمْ، وَالاِقْتِدَاءِ بِهِمْ فِي غَزَارَةِ عِلْمِهِمْ، وَشَجَاعَتِهِمْ، وَاعْتِدَالِهِمْ وَوَسَطِيَّتِهِمْ، وَقِلَّةِ تَكَلُّفِهِمْ؛ وَسَلاَمَةِ صُدُورِهِمْ، حتى كَانَ مُجْتَمَعُهُمْ يَسُودُهُ التَّلاَحُمُ وَالْمَوَدَّةُ، وَالتَّرَاحُمُ وَالْمَحَبَّةُ، يُؤْثِرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، يَعْرِفُونَ لِكُلِّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ، وَيُنْزِلُونَ كُلَّ وَاحِدٍ مَنْزِلَتَهُ، فَكَانُوا كَمَا وَصَفَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : ]ﭐ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ [  ([19]). وَيَحْسُنُ بِنَا أَنْ نَغْرِسَ مَحَبَّتَهُمْ فِي قُلُوبِ أَبْنَائِنَا وَبَنَاتِنَا مِنْ خِلاَلِ تَعْرِيفِهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ وَسِيَرِهِمْ وَمَوَاقِفِهِمْ، وَتَعْلِيمِهِمْ الدُّعَاءَ لَهُمْ، فَهُمْ قُدْوَةٌ لَنَا بَعْدَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ مَنْ أَوْصَلُوا لَنَا الدِّينَ وَالشَّرِيعَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْمَالِكِيُّ: وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْوُقُوفَ عَلَى مَعْرِفَةِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَوْكَدِ الْعِلْمِ، وَمَا أَظُنُّ أَهْلَ دِينٍ مِنَ الأَدْيَانِ إِلاَّ وَعُلَمَاؤُهُمْ مَعْنِيُّونَ بِمَعْرِفَةِ أَصْحَابِ أَنْبِيَائِهِمْ؛ لأَنَّهُمُ الْوَاسِطَةُ بَيْنَ النَّبِيِّ وَبَيْنَ أُمَّتِهِ([20]).
وَحِرْصًا مِنْ حُكُومَتِنَا الرَّشِيدَةِ عَلَى تَعْزِيزِ مَكَانَةِ الصَّحَابَةِ فِي نُفُوسِ الأَجْيَالِ؛ ضَمَّنَتْ الْمَنَاهِجَ التَّعْلِيمِيَّةَ وَالدُّرُوسَ الْوَعْظِيَّةَ نَمَاذِجَ مُشْرِقَةً مِنْ سِيرَتِهِمُ الْعَطِرَةِ، تَقْدِيرًا لِمَكَانَتِهِمْ، وَقَدْ نَصَّ قَانُونُ مُكَافَحَةِ التَّمْيِيزِ وَالْكَرَاهِيَةِ عَلَى تَجْرِيمِ التَّطَاوُلِ عَلَى الأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ أَوْ زَوْجَاتِهِمْ وَآلِهِمْ، أَوْ أَصْحَابِهِمْ، أَوِ السُّخْرِيَةِ مِنْهُمْ.
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أُمِرْتُمْ بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:« مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً»([21]). اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ. اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا مَحَبَّةَ نَبِيِّكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَحَبَّةَ صَحَابَتِهِ الأَبْرَارِ، وَخُلَفَائِهِ الأَخْيَارِ، وَاجْعَلْنَا مُقْتَدِينَ بِهِمْ يَا كَرِيمُ يَا غَفَّارُ.
اللَّهُمَّ ارْحَمْ شُهَدَاءَ الْوَطَنِ وقُوَّاتِ التَّحَالُفِ الأَبْرَارَ، وَأَنْزِلْهُمْ مَنَازِلَ الأَخْيَارِ، وَارْفَعْ دَرَجَاتِهِمْ فِي عِلِّيِّينَ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ، يَا عَزِيزُ يَا كَرِيمُ. اللَّهُمَّ اجْزِ خَيْرَ الْجَزَاءِ أُمَّهَاتِ الشُّهَدَاءِ وَآبَاءَهُمْ وَزَوْجَاتِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ جَمِيعًا، اللَّهُمَّ انْصُرْ قُوَّاتِ التَّحَالُفِ الْعَرَبِيِّ، الَّذِينَ تَحَالَفُوا عَلَى رَدِّ الْحَقِّ إِلَى أَصْحَابِهِ، اللَّهُمَّ كُنْ مَعَهُمْ وَأَيِّدْهُمْ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ أَهْلَ الْيَمَنِ إِلَى كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْمَعْهُمْ عَلَى كَلِمَةِ الْحَقِّ وَالشَّرْعِيَّةِ، وَارْزُقْهُمُ الرَّخَاءَ وَالاِسْتِقْرَارَ يَا أَكْرَمَ الأَكْرَمِينَ.
اللَّهُمَّ ارْضَ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ: أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ الأَكْرَمِينَ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ لَنَا وَلِوَالدينَا، وَلِمَنْ لَهُ حَقٌّ عَلَيْنَا، وَلِلْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا رَئِيسَ الدولةِ، الشيخ خليفة بن زايد وَأَدِمْ عَلَيْهِ مَوْفُورَ الصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ، وَاجْعَلْهُ يَا رَبَّنَا فِي حِفْظِكَ وَعِنَايَتِكَ، وَوَفِّقِ اللَّهُمَّ نَائِبَهُ الشيخ محمد بن راشد لِمَا تُحِبُّهُ وَتَرْضَاهُ، وَأَيِّدْ إِخْوَانَهُ حُكَّامَ الإِمَارَاتِ وأولياءَ عُهودِهم أجمعين. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، اللَّهُمَّ ارْحَمِ الشَّيْخ زَايِد، وَالشَّيْخ راشد، وَالشَّيْخ مَكْتُوم، وَشُيُوخَ الإِمَارَاتِ الَّذِينَ انْتَقَلُوا إِلَى رَحْمَتِكَ، وَأَدْخِلِ اللَّهُمَّ فِي عَفْوِكَ وَغُفْرَانِكَ وَرَحْمَتِكَ آبَاءَنَا وَأُمَّهَاتِنَا وَجَمِيعَ أَرْحَامِنَا وَمَنْ لَهُ حَقٌّ عَلَيْنَا. اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ الْمَغْفِرَةَ والثَّوَابَ لِمَنْ بَنَى هَذَا الْمَسْجِدَ وَلِوَالِدَيْهِ، وَلِكُلِّ مَنْ عَمِلَ فِيهِ صَالِحًا وَإِحْسَانًا، وَاغْفِرِ اللَّهُمَّ لِكُلِّ مَنْ بَنَى لَكَ مَسْجِدًا يُذْكَرُ فِيهِ اسْمُكَ. اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعًا مَرْحُوْمًا، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقًا مَعْصُوْمًا، وَلاَ تَدَعْ فِيْنَا وَلاَ مَعَنَا شَقِيًّا وَلاَ مَحْرُوْمًا. اللَّهُمَّ احْفَظْ دَوْلَةَ الإِمَارَاتِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَأَدِمْ عَلَيْهَا الأَمْنَ وَالأَمَانَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
اللَّهُمَّ إنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذابِ جَهَنَّم، ونَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذابِ القَبْر، ونَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المسِيحِ الدَّجَّال، ونَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المحْيَا والممَات. اللَّهُمَّ احْفَظْ دَوْلَةَ الإِمَارَاتِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَأَدِمْ عَلَيْهَا الأَمْنَ وَالأَمَانَ وسَائِرَ بِلادِ المسلمينَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
اللَّهُمَّ أَنْتَ اللَّهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْغَنِيُّ وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ، أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ، وَاجْعَلْ مَا أَنْزَلْتَ لَنَا قُوَّةً وَبَلَاغًا إِلَى حِينٍ» «اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا» «اللَّهُمَّ اسْقِ عِبَادَكَ، وَبَهَائِمَكَ، وَانْشُرْ رَحْمَتَكَ، وَأَحْيِ بَلَدَكَ الْمَيِّتَ» «اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا، مَرِيئًا مَرِيعًا، نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ، عَاجِلًا غَيْرَ آجِلٍ».
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
عِبَادَ اللَّهِ: ]ﭐ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [ ([22])
اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكرُوهُ علَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ]ﭐ وَأَقِمِ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ [ ([23]).

مواضيع ذات صلة لـ خطبة من سيرة الصحابة: