حكم وشروط العمرة

جوجل بلس

حكم وشروط العمرة

أجمَعَ أهلُ العلم على أنَّ العُمرة مشروعةٌ بأصْل الإسلام، وأنَّ فعلها في العمر مرَّة، وهل هي واجبة أو لا؟ قولان:

الأول: وجوبها، وهو المشهور عن أحمد والشافعي وجماعةٍ من أهل الحديث وغيرهم – رحمهم الله – ومن أدلَّتهم على ذلك:
• ما رواه أهل السُّنن وغيرهم عن أبي رزين العقيلي – وافد بني المُنتفِق – أنَّه أتى النبيَّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – فقال: إنَّ أبي شيخٌ كبير لا يستطيع الحجَّ ولا العُمرة، فقال: ((حجَّ عن أبيك واعتَمِرْ))[1]؛ صحَّحَه الترمذي، وقال أحمد: لا أعلم في إيجاب العُمرة حديثًا أجوَدَ من هذا، ولا أصحَّ منه.

• وبحديث عمر في رواية الدارقطني، وفيه قال – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((وتحج البيت وتعتمر))[2].

• واستأنَسُوا بقوله تعالى: ﴿ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ﴾ [البقرة: 196].

الثاني: إنَّها سنَّة وليست بواجبةٍ، وهو مذهب مالكٍ وأبي حنيفة وإحدى الروايتين عن الشافعي وأحمد، وقول أكثرِ أهل العلم، واختيار شيخ الإسلام ابن تيميَّة، ومن أدلَّة ذلك:

• حديث جابر – رضِي الله عنه – مرفوعًا: سُئِل – يعني: النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – – عن العُمرة: أواجبةٌ هي؟ قال: ((لا، وأن تعتَمِرَ خيرٌ لك))؛ صحَّحه الترمذي[3].

ولأنَّ الأصْلَ عدمُ وجوبها، والبراءة الأصليَّة لا يُنتَقلُ عنها إلا بدليل يثبت به التكليف، ولا دليل يصلح لذلك، مع اعتِضاد الأصْل بالأحاديث القاضية بعدَم الوجوب.

• ويُؤيِّده اقتصارُ الله تعالى على فرْض الحج يقوله: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ﴾ [آل عمران: 97].

ولفظ الحج في القُرآن لا يتناول العُمرة؛ فإنه سبحانه إذا أراد العُمرةَ ذكَرَها مع الحج كقوله: ﴿ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ﴾ [البقرة: 196].

ففي الآية الأولى (آية آل عمران): أوجب سبحانه الحجَّ ولم يَذكُرِ العُمرة.

وفي الآية الثانية (آية البقرة): أوجَبَ تمامَ الحجِّ والعُمرة، فإنَّهما يجبان بالشُّروع فيهما، وإيجاب الإتمام لا يقتَضِي إيجاب الابتداء، فإنَّ إيجابَ الابتداء يحتاجُ إلى دليلٍ خاصٍّ به – فإنَّه محلُّ النِّزاع – ولا دليل يخصُّه سالم من العلَّة حتى يصلح للاستدلال به على المراد.

• وأيضًا فإنَّ قوله سبحانه: ﴿ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ﴾ [البقرة: 196]، نزَلتْ عام الحديبية سنةَ ستٍّ من الهجرة باتِّفاق أهل العلم، وليس فيها إلا الأمر بإتمام الحج والعُمرة لمن شرَع فيهما، وقوله تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ﴾ [آل عمران: 97]، نزلت مُتَأخِّرة سنة تسعٍ أو عشر، وقد اقتصرت على ذِكر فرْض الحج دُون العُمرة، ولهذا كان أصح القولين عند المحقِّقين من أهل العلم أنَّ فرض الحج كان مُتَأخرًا.

• وممَّا يُؤيِّد ذلك اقتصارُ النبيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – على ذِكر الحج دون العُمرة، كما في حديث ابن عمر – رضِي الله عنهما – في الصحيحين وغيرهما: ((بُنِي الإسلامُ على خمسٍ: شهادة أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، وحج بيت الله الحرام)).

• وقوله – صلَّى الله عليه وسلَّم – في الحديث الصحيح – للذي قال بعد أنْ سأله عن الإسلام وبيَّن له النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – أركانه: واللهِ لا أزيد على هذا ولا أنقص -: ((لئنْ صدَق ليَدخُلنَّ الجنَّة))[4].

مع أنَّ العُمرة ليس فيها عملٌ غير أعمال الحج، والحج إنَّما فرَضَه الله مرَّة واحدةً، فبذلك يترجَّح – والله أعلم – أنَّ الله لم يفرض العُمرة وإنما فرَض حجًّا واحدًا هو الحجُّ الأكبر، الذي فرَضَه على عِباده وجعَل له وقتًا معلومًا لا يكون في غيره، فلم يفرض الله الحج إلا مرَّة واحدة، كما لم يفرض شيئًا من فرائضه مرَّتين، فالأظهر أنَّ العُمرة ليست واجبةً – لهذه الأدلَّة وغيرها – وأنَّ مَن لم يعتمرْ فلا شيءَ عليه، وإنَّما هي سنَّةٌ يُطلَب بها المزيدُ من فضلِ الله وعظيم مَثُوبته.

مواضيع ذات صلة لـ حكم وشروط العمرة: