موضوع تعبير عن عيد الأضحي
فإذا انتهى الحاجُّ من رمي جمرة العقبة الكبرى تحلّل التحلّلَ الأصغرَ، أي: يباح له كلّ محظور حُرِّم عليه بالإحرامِ إلاّ الجماعَ بنسائه ولو لم يذبح أو يحلِق، ويسمَّى هذا ﺑ«التحلل الأول»، ويُستحب له التطيُّب فيما بين التحللين، فإذا أراد الاستمرار في تحلُّله فيلزمه أن يطوف طواف الإفاضة قبل أن يمسي ذلك اليوم، فإن أخّره بعد يوم العيدِ عاد إلى لبس ثوبي الإحرامِ من جديد كهيأته حين كان محرمًا لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: « إِنَّ هَذَا يَوْمٌ رُخِّصَ لَكُمْ إِذَا أَنْتُمْ رَمَيْتُمْ الْجَمْرَةَ أَنْ تَحِلُّوا مِنْ كُلِّ مَا حُرِمْتُمْ مِنْهُ إِلا النِّسَاءَ، فَإِذَا أَمْسَيْتُمْ قَبْلَ أَنْ تَطُوفُوا هَذَا الْبَيْتَ صِرْتُمْ حُرُمًا كَهَيْئَتِكُمْ قَبْلَ أَنْ تَرْمُوا الْجَمْرَةَ حَتَّى تَطُوفُوا»(١).
وعن عائشةَ رضي الله عنها قالت: «كُنْتُ أطيِّبُ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لإحْرَامِهِ، حِينَ يُحْرِمُ وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالبَيْتِ»(٢). وعن عبد الله بنِ الزبير رضي الله عنهما قال: «فَإِذَا رَمَى الجمْرَةَ الكُبْرَى فَقَدْ حَلَّ لَهُ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِ إِلاَّ النسَاءَ حَتَّى يَطُوفَ بِالبَيْتِ»(٣) قال ابنُ خزيمة –رحمه الله-: «وهذا هو الصحيح إذا رمى الجمْرةَ حلّ له كلّ شيء خلا النساء، لأنَّ عائشة أخبرت أنها طيَّبت النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل نزولِ البيت»(٤)
ويُستحبُّ الترتيبُ بين المناسك تأسيًا بالنبيِّ صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم، فيقدِّم الرمي -أولاً-، ثم الذبحَ والنحرَ، ثمَّ الحلقَ أوالتقصيرَ، ثم طوافَ الإفاضة والسعيَ للمتمتع، لكن لا حرجَ على الحاجّ إن لم يلتزم بهذا الترتيب فقدّم منسكًا منها – في يوم النحر – أو أخَّره، قال ابنُ القيم رحمه الله- : «ولم ينحر هديه صلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم قط إلاَّ بعد أن حل، ولم ينحره قبل يوم النحر ولا أحد من أصحابه البتة، ولم ينحره – أيضًا- إلا بعد طلوع الشمس وبعد الرمي، فهي أربعة أمور مرتبة يوم النحر: أولها الرمي، ثمَّ النحر، ثمَّ الحلق، ثمَّ الطواف، وهكذا رتَّبها صلَّى الله عليه وسلّم ولم يرخِّص في النحر قبل طلوع الشمس البتة، ولا ريبَ أنَّ ذلك مخالف لهديه، فحكمه حكم الأضحية إذا ذُبحت قبل طلوع الشمس»(٥)
ويدلُّ عليه حديث ابنِ عباس رضي الله عنهما قال: «قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ: زُرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ قَالَ: لا حَرَجَ. قَالَ حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ قَالَ: لا حَرَجَ. قَالَ: ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ قَالَ: لا حَرَجَ»(٦) ، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ وَقَفَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِمِنًى لِلنَّاسِ يَسْأَلُونَهُ، فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: لَمْ أَشْعُرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ؟ فَقَالَ: اذْبَحْ وَلا حَرَجَ، فَجَاءَ آخَرُ فَقَالَ: لَمْ أَشْعُرْ فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ؟ قَالَ: ارْمِ وَلا حَرَجَ، فَمَا سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلا أُخِّرَ إِلاَّ قَالَ: افْعَلْ وَلا حَرَجَ»(٧).
والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.