المذهب الإباضِيَّ
قد عانى المذهب الإباضِيَّ طوال قرون من حملات هوجاء لتشويه صورته، ولئن كانت هذه التهم موجهة من قبل كتاب المقالات في زمن قلت فيه وسائل التواصل فإنه لا عذر اليوم أبدًا في اتهام أحد بدون الرجوع إلى مصادره والنظر في مبادئه.
إن مذهب أهل الحق والاستقامة -الإباضِيَّة- أول المذاهب الإسلاميَّة ظهورا قد تأسس على أعين صحابة رسول الله -صَلَّى اللَّه عليهِ وسَلَّم-، متسلسلا في رجال ضحوا بالغالي والنفيس متأهلين حمل هذا الدين عبر العصور غضا طريا كما أُنزل.
ففي الوقت الذي كانت تتسابق فيه سيوف بني أمية وبني العباس لأجل جمع حطام هذه الدنيا الفانية كانت سيوف الإباضِيَّة تسعى لغرس الحق وإقامة العدل بين أوساط المسلمين، ولاستئصال الفساد والبغي والظلم عن كاهل أمة الإسلام التي عانت كثيرًا من جور الظلمة الذين اتخذوا عباد الله خولا.
والفكر الإباضِيَّ فكر أصيل قدَّم علماؤه – عبر تاريخهم- طرحا عميقا لا سيما في الجوانب السياسة منه، ولم يكتفوا فيه بالنظرية فقط؛ وإنما تعددت دولهم شرقا وغربا مطبقة شعائر الدين، ويثبت الزمن من خلال ما يتمخض به من أحداث نجاح ما عليه السياسة الشرعية عند الإباضِيَّة من توازن واعتدال.
ولا ريب أن هذه القيم النيرة والمبادئ المشرقة ما هي إلا أثر تربوي لعقيدة رسخت في وجدانهم فانطلقت بها أفعالهم.
فالمسلم إن كان منطلقا في تصرفاته من أن نطق الشهادة توثيق عهد مع الله، والإيمان قول وتصديق وعمل يُجازَى بقدره الإنسان؛ فالعاصي غير التائب خالد في النار كما أن المتقي خالد في الجنة، وأنه لا شفاعة إلا للتقي، لا يجرؤ على الاقتراب من المعاصي.
وهو في ذلك كله يعبد ربا ينزهه تنزيها مطلقا -في التنظير والتطبيق- عن ما لا يليق بكبرياء الألوهية من الحلول والتجسيم سبحانه ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ))، يسلِّم أنه لا يستطيع إدراك ذات الله، فيُقبل إليه خاضعًا خاشيًا مطمئنّا.
وإن من يمعن نظره في التراث الإباضِيَّ الفكري -متجردا عن العوامل النفسية والمؤثرات الوراثية- يدرك كل الإدراك أن الإباضِيَّة أكثر فئات هذه الأمة اعتدالا وأسلمها فكرا، وأقومها طريقا.
دونك المكتبة فاقرأ، ومن أراد الحق سعى إليه.
(وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُون)