تفسير قوله تعالى ” والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة “

جوجل بلس

تفسير قوله تعالى ” والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة “

( والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون ( 8 ) )

هذا صنف آخر مما خلق تبارك وتعالى لعباده ، يمتن به عليهم ، وهو : الخيل والبغال والحمير ، التي جعلها للركوب والزينة بها ، وذلك أكبر المقاصد منها ، ولما فصلها من الأنعام وأفردها بالذكر استدل من استدل من العلماء – ممن ذهب إلى تحريم لحوم الخيل – بذلك على ما ذهب إليه فيها ، كالإمام أبي حنيفة – رحمه الله – ومن وافقه من الفقهاء ; لأنه تعالى قرنها بالبغال والحمير ، وهي حرام ، كما ثبتت به السنة النبوية ، وذهب إليه أكثر العلماء .

وقد روى الإمام أبو جعفر بن جرير : حدثني يعقوب ، حدثنا ابن علية ، أنبأنا هشام الدستوائي ، حدثنا يحيى بن أبي كثير ، عن مولى نافع بن علقمة ، أن ابن عباس كان يكره لحوم الخيل والبغال والحمير ، وكان يقول : قال الله : ( والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون ) فهذه للأكل ، ( والخيل والبغال والحمير لتركبوها ) فهذه للركوب .

وكذا روي من طريق سعيد بن جبير وغيره ، عن ابن عباس ، بمثله . وقال مثل ذلك الحكم بن عتيبة – رضي الله عنه – أيضا ، واستأنسوا بحديث رواه الإمام أحمد في مسنده :

حدثنا يزيد بن عبد ربه ، حدثنا بقية بن الوليد ، حدثنا ثور بن يزيد ، عن صالح بن يحيى بن المقدام بن معد يكرب ، عن أبيه ، عن جده ، عن خالد بن الوليد – رضي الله عنه – قال : نهى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن أكل لحوم الخيل ، والبغال ، والحمير .

وأخرجه أبو داود والنسائي ، وابن ماجه من حديث صالح بن يحيى بن المقدام – وفيه كلام – به .

ورواه أحمد أيضا من وجه آخر بأبسط من هذا وأدل منه فقال : [ ص: 559 ]

حدثنا أحمد بن عبد الملك ، حدثنا محمد بن حرب ، حدثنا سليمان بن سليم ، عن صالح بن يحيى بن المقدام ، عن جده المقدام بن معد يكرب قال : غزونا مع خالد بن الوليد الصائفة ، فقرم أصحابنا إلى اللحم ، فسألوني رمكة ، فدفعتها إليهم فحبلوها ، وقلت : مكانكم حتى آتي خالدا فأسأله ، فأتيته فسألته ، فقال : غزونا مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – غزوة خيبر ، فأسرع الناس في حظائر يهود ، فأمرني أن أنادي : ” الصلاة جامعة ، ولا يدخل الجنة إلا مسلم ” ثم قال : ” أيها الناس ، إنكم قد أسرعتم في حظائر يهود ، ألا لا تحل أموال المعاهدين إلا بحقها ، وحرام عليكم لحوم الأتن الأهلية وخيلها وبغالها ، وكل ذي ناب من السباع ، وكل ذي مخلب من الطير ” .

والرمكة : هي الحجرة . وقوله : حبلوها ، أي : أوثقوها في الحبل ليذبحوها . والحظائر : البساتين القريبة من العمران .

وكأن هذا الصنيع وقع بعد إعطائهم العهد ومعاملتهم على الشطر ، والله أعلم .

فلو صح هذا الحديث لكان نصا في تحريم لحوم الخيل ، ولكن لا يقاوم ما ثبت في الصحيحين ، عن جابر بن عبد الله قال : نهى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن لحوم الحمر الأهلية ، وأذن في لحوم الخيل .

ورواه الإمام أحمد وأبو داود بإسنادين كل منهما على شرط مسلم ، عن جابر قال : ذبحنا يوم خيبر الخيل والبغال والحمير ، فنهانا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن البغال والحمير ، ولم ينهنا عن الخيل .

وفي صحيح مسلم ، عن أسماء بنت أبي بكر – رضي الله عنهما – قالت : نحرنا على عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فرسا فأكلناه ونحن بالمدينة .

فهذه أدل وأقوى وأثبت ، وإلى ذلك صار جمهور العلماء : مالك ، والشافعي ، وأحمد ، وأصحابهم ، وأكثر السلف والخلف ، والله أعلم .

وقال عبد الرزاق : أنبأنا ابن جريج ، عن ابن أبي مليكة ، عن ابن عباس قال : كانت الخيل وحشية ، فذللها الله لإسماعيل بن إبراهيم – عليهما السلام – .

وذكر وهب بن منبه في إسرائيلياته : أن الله خلق الخيل من ريح الجنوب ، والله أعلم .

فقد دل النص على جواز ركوب هذه الدواب ، ومنها البغال . وقد أهديت إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بغلة ، فكان يركبها ، مع أنه قد نهى عن إنزاء الحمر على الخيل لئلا ينقطع النسل .

قال الإمام أحمد : حدثني محمد بن عبيد ، حدثنا عمر من آل حذيفة ، عن الشعبي ، عن دحية الكلبي قال : قلت : يا رسول الله ، ألا أحمل لك حمارا على فرس ، فتنتج لك بغلا فتركبها ؟ قال : ” إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون ” .

مواضيع ذات صلة لـ تفسير قوله تعالى ” والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة “: