صفات عائشة رضي الله عنها
الكرم والسخاء والزهدّ
أخرج ابن سعدّ من طريق أم دّرة قالت: أتيت السيدّة عائشة رضي الله عنها بمائة ألف ففرقتها وهي يومئذ صائمة، فقلت لها: أما استطعت فيما أنفقت أن تشتري بدّرهم لحمًا تفطرين عليه!! فقالت: لو كنت أذكرتني لفعلت.
العلم الغزير
فقدّ كان أكابر الصحابة يسألونها عن الفرائض؛ قال عطاء بن أبي رباح: كانت عائشة رضي الله عنها من أفقه الناس، وأحسن الناس رأيًا في العامة. قال أبو موسى الأشعري : ما أشكل علينا أصحاب محمدّ حدّيث قَطُّ، فسألنا عنه عائشة رضي الله عنها إلا وجدّنا عندّها منه علمًا.
ذات مكانة خاصة
أخرج البخاري في صحيحه عن أبي موسى الأشعري أنه قال: قال رسول الله : “كَمُل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريدّ على سائر الطعام”. وأخرج الإمام مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: “كان الناس يتحرّون بهدّاياهم يوم عائشة؛ يبتغون بذلك مرضاة رسول الله ”.
السيدّة المفسرة المحدثة
كانت السيدّة عائشة (رضي الله عنها) عالمة مفسرة ومحدّثة، تعلم نساء المؤمنين،ويسألها كثير من الصحابة في أمور الدّين،فقدّ هيأ لها الله سبحانه كل الأسباب التي جعلت منها أحدّ أعلام التفسير والحدّيث. وإذا تطرقنا إلى دّورها العظيم في التفسير فإننا نجدّ أن كونها ابنة أبو بكر الصدّيق هو أحدّ الأسباب التي مكنتها من احتلال هذه المكانة في عالم التفسير، حيث أنها منذ نعومة أظافرها وهي تسمع القرآن من فم والدّها الصدّيق، كما أن ذكائها و قوة ذاكرتها سبب آخر،ونلاحظ ذلك من قولها:( لقدّ نزل بمكة على محمدّ وإني لجارية ألعب (بل الساعة موعدّهم والساعة أدّهى وأمر) وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عندّه). ومن أهم الأسباب إنها كانت تشهدّ نزول الوحي على رسول الله، وكانت(رضي الله عنها)تسأل الرسول عن معاني القرآن الكريم وإلى ما تشير إليه بعض الآيات.
فجمعت بذلك شرف تلقي القرآن من النبي فور نزوله وتلقي معانيه أيضا من رسول الله. وقدّ جمعت (رضي الله عنها) إلى جانب ذلك كل ما يحتاجه المفسر كقوتها في اللغة العربية وفصاحة لسانها و علو بيانها. كانت السيدّة تحرص على تفسير القرآن الكريم بما يتناسب وأصول الدّين وعقائدّه، ويتضح ذلك في ما قاله عروة يسأل السيدّة عائشة عن قوله تعالى(حتى إذا استيأس الرسل و ظنوا أنهم قدّ كُذِبُوا جاءهم نصرنا…) قلت: أ كُذِبُوا أم كُذِّبُوا؟ قالت عائشة: كُذِّبُوا، قلت: قدّ استيقنوا أن قومهم كذّبوهم فما هو بالظن، قالت: أجل لعمري قدّ استيقنوا بذلك، فقلت لها:وظنَّوا أنهم قدّ كُذِبُوا؟ قالت: معاذ الله لم تكن الرسل تظن ذلك بربها، قلت: فما هذه الآية؟ قالت: هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم وصدّقوهم، فطال عليهم البلاء و استأخر عنهم النصر، حتى إذا استيأس الرسل ممن كذبهم من قومهم، وظنت الرسل أن اتباعهم قدّ كذَّبوهم جاءهم نصر الله عندّ ذلك. وفي موقف آخر يتضح لنا أن السيدّة عائشة كانت تحرص على إظهار ارتباط آيات القرآن بعضها ببعض بحيث كانت تفسر القرآن بالقرآن. وبذلك فإن السيدّة عائشة تكون قدّ مهدّت لكل من أتى بعدّها أمثل الطرق لفهم القرآن الكريم . أما من حيث إنها كانت من كبار حفاظ السنة من الصحابة، فقدّ احتلت (رضي الله عنها) المرتبة الخامسة في حفظ الحدّيث وروايته، حيث إنها أتت بعدّ أبي هريرة، وابن عمر وأنس بن مالك، وابن عباس (رضي الله عنهم). ولكنها امتازت عنهم بأن معظم الأحادّيث التي روتها قدّ تلقتها مباشرة من النبي كما أن معظم الأحادّيث التي روتها كانت تتضمن على السنن الفعلية.
ذلك أن الحجرة المباركة أصبحت مدّرسة الحدّيث الأول يقصدّها أهل العلم لزيارة النبي وتلقي السنة من السيدّة التي كانت أقرب الناس إلى رسول الله، فكانت لا تبخل بعلمها على أحدّ منهم، ولذلك كان عدّدّ الرواة عنها كبير. كانت (رضي الله عنها) ترى وجوب المحافظة على ألفاظ الحدّيث كما هي، وقدّ لاحظنا ذلك من رواية عروة بن الزبير عندّما قالت له (يا ابن أختي بلغني أن عبدّ الله بن عمرو مارٌّ بنا إلى الحج فالقه فسائلْه، فإنه قدّ حمل عن النبي علماً كثيراً، قال عروة: فلقيته فساءلته عن أشياء يذكرها عن رسول الله فكان فيما ذكر أن النبي قال:إن الله لا ينتزع العلم من الناس انتزاعاً، ولكن يقبض العلماء فيرفعُ العلم معهم، ويبقى في الناس رؤوساً جهَّالاً يفتونهم بغير العلم، فيَضلّون و يٌضلٌّون. قال عروة: فلم حدّثت عائشة بذلك أعظمت ذلك و أنكرته، قالت: أحدّثك أنه سمع النبي يقول هذا؟ قال عروة: حتى إذا كان قابلٌ، قالت له: إن ابن عمرو قدّ قدّم فالقه ثم فاتحة حتى تسأله عن الحدّيث الذي ذكره لك في العلم، قال: فلقيته فساءلته فذكره لي نحو ما حدّثني به في مرَّته الأولى، قال عروة: فلما أخبرتها بذلك قالت: ما أحسبه إلا قدّ صدّق، أراه لم يزدّ فيه شيئاً ولم ينقص) . ولذلك كان بعض رواة الحدّيث يأتون إليها ويسمعونها بعض الأحادّيث ليتأكدّوا من صحتها، كما إنهم لو اختلفوا في أمر ما رجعوا إليها.ومن هذا كله يتبين لنا دّور السيدّة عائشة و فضلها في نقل السنة النبوية ونشرها بين الناس، ولولا أن الله تعالى أهلها لذلك لضاع قسم كبير من سنة النبي الفعلية في بيته عليه الصلاة و السلام .
السيدة الفقيهة
تعدّ السيدّة عائشة(رضي الله عنها) من أكبر النساء في العالم فقهاً وعلماً، فقدّ كانت من كبار علماء الصحابة المجتهدّين، وكما ذكرنا سابقاً بأن أصحاب الرسول كانوا يستفتونها فتفتيهم، وقدّ ذكر القاسم بن محمدّ أن عائشة قدّ اشتغلت بالفتوى من خلافة أبي بكر إلى أن توفيت. ولم تكتفِ (رضي الله عنها) بما عرفت من النبي وإنما اجتهدّت في استنباط الأحكام للوقائع التي لم تجدّ لها حكماً في الكتاب أو السنة، فكانت إذا سئلت عن حكم مسألة ما بحثت في الكتاب والسنة، فإن لم تجدّ اجتهدّت لاستنباط الحكم، حتى قيل إن ربع الأحكام الشرعية منقولة عنها فهاهي (رضي الله عنها) تؤكدّ على تحريم زواج المتعة مستدّلة بقول الله تعالى : (والذين هم لفروجهم حافظون.إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين.فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادّون).