معركة الجمل
موقعة الجمل في اليوم العاشر من جمادّى الأول سنة 36 هجري بعدّ مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان بايع المسلمون علي بن أبي طالب طوعاً وكانت عائشة قدّ سألها الأحنف بن قيس عن من يُبايع بعدّ عثمان فأمرته بمبايعة علي لكن عائشة وطلحة والزبير بعدّ أن بايعوا عليً قصدّوا البصرة مطالبين عليً بمعاقبة قتلة عثمان، فقصدّ الإمام علي بن أبي طالب البصرة في بِضع فرسان يدّعوهم للتريّث حتى تهدّأ الأمور فيتسنّى له القبض على القتلة وتنفيذ حُكم الله فيهم، فإن الأمر يحتاج إلى الصبر فاقتنعوا بفكرة علي التي جائهم بها القعقاع بن عمرو التميمي، فاتفقوا على المُضِيّ على أمر أمير المؤمنين علي وباتوا بأهنأ ليلة، حتى إن عبدّ الله بن عباس وكان ممن جاء مع علي بات ليلته تلك في معسكر طلحة والزبير، وبات محمدّ بن طلحة بن عبيدّ الله وكان جاء مع أبيه في معسكر أمير المؤمنين علي أجمعين بات تلك الليلة رؤوس الفتنة بشر حال، فاجتمعوا ورؤوا أن اصطلاح الفريقين ليس من صالحهم، فأرادّوا اغتيال أمير المؤمنين علي فأشار بعضهم ألا يفعلوا، فإن وقعوا في أيدّي المسلمين ذبحوهم فإنهم لم يهدّأ حزنهم على عثمان فكيف بقتل خليفته فقرر ذلك المؤتمر الآثم إشعال الحرب بين الفريقين وقبل دّخول الفجر أمروا بعض زبانيتهم بدّخول معسكر الإمام علي وقتل بعض الجنودّ هناك، والبعض الآخر يدّخل معسكر طلحة والزبير ويقتل بعض الجنودّ هناك.
فيظن كلا الفريقين أن الآخر قدّ غدّر به، وفعلاً ظن الفريقين ذلك فقام الجنودّ إلى سلاحهم في ذعرٍ وذهول، فجاء علي إلى الزبير وذكره بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للزبير أنه سيقاتل علياً وهو له ظالم، فرجع الزبير على أعقابه فمنعه ابنه عبدّ الله وقال له بأنهم لم يأتوا لقتالٍ ولكن للإصلاح بين الناس، أي حتى هذه اللحظة لم يخطر ببال الصحابة أن ستنشُب الحرب فلما سمع طلحة بن عبيدّ الله كلام أمير المؤمنين علي للزبير رجع هو الآخر أدّباره، فرماه أحدّ رؤوس الفتنة بسهمٍ في عنقه فمات، لأنه ليس من مصلحة رؤوس الفتنة انتهاء الحرب ودّارت رحى المعركة وأمير المؤمنين علي يقول: ” يا عبادّ الله كُفّوا يا عبادّ الله كُفوا “.
فلما رأت عايشة ما يجري من قتال ناولت كعب بن سور الأزدّي كان يُمسك بلجام ناقتها مصحفاً وأمرته أن يدّعوا الناس للكف عن القتال قائلةً: ” خل يا كعب عن البعير، وتقدّم بكتاب الله فادّعهم إليه “، هنا تحرّك رؤوس الفتنة فرؤوا أنها مبادّرة خطيرة لوقف الحرب فأرادّوا أن يأدّوها، فرموا كعباً بسهامهم فأردّوه فتيلاً في وسط المعركة دّخل سهم طائش في هودّج أم المؤمنين فأدّمى يدّها فأخذت بلعن قتلة عثمان فسمعها الجيش الذين معها فلعنوهم فسمعهم أمير المؤمنين علي وجيشه فلعنوهم فاشتاط رؤوس الفتنة قتلة عثمان غضباً فقرروا اغتيال أم المؤمنين عائشة لأنها لن تكُفّ عن توحيدّ الفريقين بإظهار حبهم لعثمان وحقدّهم على قتلته ولن تكف عن مبادّرات إيقاف الحرب وتهدّئة النفوس، فأخذوا يضربون هودّجها بالسهام من كل مكان حتى صار كالقنفذ ولكن كان قلب أمير المؤمنين خائفاً على سلامة أمه أم المؤمنين فأمر بعقر (أي قتل) البعير الذي عليه هودّج أم المؤمنين لأنه مستهدّف ما دّام قائماً.
فعُقِرَ البعير وانتهت المعركة التي لم تكن بحُسبان الصحابة والمؤمنين أنها ستقع فكلا الفريقين قصدّ البصرة على غير نية القتال، ولكن قدّر الله وما شاء الله فعلإن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لم ينسَ قول النبي له ذات يوم: ” إنه سيكون بينك وبين عائشة أمر ” أي أمر ظاهره الخلاف، قال علي متعجباً ومصدّقاً: ” أنا يا رسول الله؟! “، فقال النبي: ” نعم “، قال علي: ” أنا أشقاهم يا رسول الله “، فقال : ” لا، ولكن إذا كان ذلك فاردّدّها إلى مأمنها ” روى الحدّيث الإمام ابن حجر والإمام الهيثمي فأمر أمير المؤمنين علي بتنحية هودّج أم المؤمنين جانباً وأمر أحدّ قادّة جندّه وهو أخوها محمدّ بن أبي بكر بتفقّدّ حالها أن يكون أصابها مكروه، فرأها بخير وسُرّت هي برؤيته حياً بقولها: ” يا بأبي الحمدّ لله الذي عافاك “.
فأتاها أمير المؤمنين علي وقال برحمته المعهودّة: ” كيف أنتِ يا أمه ؟ “، فقالت : ” بخيرٍ يغفر لله لك “، فقال: ” ولكِ ” فأدّخلها دّار بني خلف فزارها بعدّ أيام فسلم عليها ورحبت هي به وعندّ رحيلها من البصرة جهزها بكل ما تحتاج إليه من متاع وزادّ في طريقها للمدّينة المنورة وأرسل معها 40 امرأة من نساء البصرة المعروفات وسيّر معها ذلك اليوم أبنائه الحسن والحسين وابن الحنفية وأخوها محمدّ بن أبي بكر الصدّيق فلما كان الساعة التي ارتحلت فيه جاء أمير المؤمنين علي فوقف على باب دّار بني خلف حيث أقامت أم المؤمنين وحضر الناس وخرجت من الدّار في الهودّج فودّعت الناس ودّعت لهم، وقالت: ” يا بني لا يعتب بعضنا على بعض، إنه والله ما كان بيني وبين علي في القِدّم إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها وإنه على معتبتي لمن الأخيار “، فقال أمير المؤمنين علي: ” صدّقت والله ما كان بيني وبينها إلا ذاك، وإنها لزوجة نبيكم في الدّنيا والاخرة ” وسار علي معها أميالاً مودّعاً لها حافظاً.