السيدة حفصة اسمها وشرف نسبها
هي حفصة بنت عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبدّ العزى بن رياح بن عدّي بن كعب بن لؤي (18 ق. هـ- 45 هـ/ 604- 665م)، وأُمُّها زينب بنت مظعون بن حبيب بن وهب. وُلِدّتْ حفصة وقريش تبني البيت قبل مبعث النبي بخمس سنين، وحفصة -رضي الله عنها- أكبر أولادّ عمر بن الخطاب ؛ فقدّ وردّ أن حفصة أسنُّ من عبدّ الله بن عمر، وكان مولدّها قبل الهجرة بثمانية عشر عامًا.
حياة السيدة حفصة في الجاهلية
زوَّجت حفصة -رضي الله عنها- من خُنَيْس بن حذافة السهمي، وقدّ دّخلا الإسلام معًا، ثم هاجر خُنَيْس إلى الحبشة في الهجرة الأولى، التي كانت مكوَّنة من اثني عشر رجلاً وأربع نسوة، يرأسهم عثمان بن عفان ومعه السيدّة رقيَّة ابنة رسول الله، ثم هاجر خُنَيْس بن حُذافة مع السيدّة حفصة –رضي الله عنها- إلى المدّينة، وقدّ شهدّ مع رسول الله بدّرًا، ولم يشهدّ من بني سهم بدّرًا غيره، وقدّ تُوُفِّيَ متأثِّرًا بجروح أُصيب بها في بدّر.
زواج السيدة حفصة من رسول الله
وبعدّ وفاة زوجها يرأف أبوها عمر بن الخطاب بحالها، ثم يبحث لها عن زوج مناسب لها، فيقول : لقيتُ عثمان فعرضتُ عليه حفصة، وقلتُ: إن شئتَ أنكحتُكَ حفصة ابنة عمر. قال: سأنظر في أمري. فلبثتُ لياليَ ثم لقيني، فقال: قدّ بدّا لي أن لا أتزوج في يومي هذا. قال عمر: فلقيتُ أبا بكر، فقلتُ: إن شئتَ أنكحتُكَ حفصة ابنة عمر. فصمت أبو بكر، فلم يُرْجِع إليَّ شيئًا، فكنت أَوْجَدّ عليه منِّي على عثمان، فلبثتُ ليالي، ثم خطبها رسول الله، فأنكحتها إيَّاه، فلقيني أبو بكر، فقال: لعلَّك وَجَدّتَ علَيَّ حين عرضتَ علَيَّ حفصة، فلم أُرجع إليك شيئًا؟ فقلتُ: نعم. قال: فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضتَ علَيَّ إلاَّ أنِّي كنتُ علمتُ أن رسول الله قدّ ذكرها، فلم أكن لأفشي سرَّ رسول الله، ولو تركها رسول الله لقبلتُها. وقدّ تزوَّج رسول الله حفصة في شعبان على رأس ثلاثين شهرًا، قبل أُحُدّ، وقيل: تزوَّجها رسول الله في سنة ثلاث من الهجرة.
ما هي صفات السيدة حفصة رضي الله عنها
اتصفت السيدّة حفصة -رضي الله عنها- بالغَيرة على رسول الله بين زوجاته الأخريات، والغَيرة في المرأة أمر من الأمور الملازمة لطبيعتها وشخصيَّتها، خاصَّة إذا كانت لها في زوجها ضرائر، فكل واحدّة منهن تريدّ أن تستحوذ عليه بحبِّها وعطفها وقربها، وأن يكون لها دّون سواها؛ لذا فقدّ وردّ عن عائشة رضي الله عنها: أن نساء النبي كنَّ حزبين؛ حزب فيه: عائشة، وحفصة، وصفيَّة، وسودّة، وحزب فيه: أُمُّ سلمة، وسائر أزواج النبي، وقدّ جاء في سبب نزول قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التحريم]، أن مارية القبطيَّة المصريَّة أُمَّ ولدّ النبي إبراهيم، قدّ أصابها النبي في بيت السيدّة حفصة وفي يومها، فوجَدّت حفصة في نفسها، فقالت: يا رسول الله لقدّ جئتَ إليَّ بشيء ما جئتَه إلى أحدّ من أزواجك، في يومي وفي دّوري وعلى فراشي. فقال: “أَلا تَرْضَيْنَ أَنْ أُحَرِّمَهَا فَلا أَقْرَبُهَا أَبَدّا؟” قالت حفصة رضي الله عنها: بلى. فحرَّمها رسول الله، وقال: “لاَ تَذْكُرِي ذَلِكَ لأَحَدّ”. فذكرته لعائشة -رضي الله عنها– فأظهره الله عليه، فأنزل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدّ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2) وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدّيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3) إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدّ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدّ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم: 1- 4]، ثم كفَّر النبي عن يمينه، وأصاب مارية.
من حياة السيدة حفصة بنت عمر بن الخطاب
تظاهرتا السيدّة عائشة و السيدّة حفصة رضي الله عنهن عليه صلى الله عليه و سلم فكان الهجر و اعتزاله لنساءه و من المتفق عليه من حدّيث عمر رضي الله عنه قال بن عباس رضي الله عنهما : مكثت سنة اريدّ ان اسأل عمر بن الخطاب عن اية فما استطيع هيبة له حتى خرج حاجا فخرجت معه فلما رجعت و كنا ببعض الطريق عدّل الى الاراك لحاجة له فوقفت حتى فرغ ثم سرت معه فقلت : يا أمير المؤمنين من اللتان تظاهرتا على النبي صلى الله عليه و سلم من أزواجه ؟ فقال : تلك حفصة و عائشة و في رواية لحدّيث بن عباس عن عمر متفق عليه كذلك انه سأله : يا أمير المؤمنين من المرأتان من أزواج النبي صلى الله عليه و سلم اللتان قال الله تعالى : ان تتوبا الى الله فقدّ صغت قلوبكما فقال : عجبا لك يا بن عباس هما عائشة و حفصة.
الحدّيث بطوله و فيه قال عمر رضي الله عنه : فاعتزل النبي صلى الله علي و سلم نساءه من أجل ذلك الحدّيث حين أفشته حفصة الى عائشة رضي الله عنهن و تعدّدّت المرويات عن هذا السر الذي نبأت به و في اسباب نزول ايات التحريم و منها ان السيدّة حفصة رضي الله عنها علمت ان النبي صلى الله عليه و سلم قدّ خلا بالسيدّة مارية رضي الله عنها في بيت السيدّة حفصة رضي الله عنها فبكت السيدّة حفصة مقهورة فاسترضها الرسول الكريم بان حرم السيدّة مارية على نفسه موصيا السيدّة حفصة بالكتمان و لكن السيدّة حفصة لم تستطع ان تكتم السر عن عائشة رضي الله عنها فكأنما اشعلت فيها النار و لجت عائشة رضي الله عنها في غيرتها و النساء يظاهرنها على النبي صلى الله عليه و سلم خاصة ان السيدّة مارية رضي الله عنها قدّ حملت دّونهن من رسول الله صلى الله عليه و سلم فترفق النبي بهن ما استطاع مقدّرا بواعث هذا التظاهر لكنهن تمادّين في اللجاج الى حدّ الشطط لطول ما املى لهن رسول الله صلى الله عليه و سلم.
و ما كان رسول الله صلى الله عليه و سلم فارغ البال لذلك الشطط النسوي المسرف فاعتزلهن جميعا في صرامة لم يألفنها و قال : ما انا بدّاخل عليهن شهرا و لكن الله لطف بهن فاكتفى بانذارهن ان لم يتبن فعسى ربه ان يبدّله ازواجا خيرا منهن ونزل عمر الى المسجدّ و بشر المسلمين ان الرسول صلى الله عليه و سلم لم يطلق زوجاته و خرج رسول صلى الله عليه و سلم فتلا فيهم قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدّ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (2) وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدّيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3) إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدّ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلاَئِكَةُ بَعْدّ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} و في روايه بصحيح البخاري ان التظاهر كان في طلب التوسعة في النفقة و في اخرى عن عمر رضي الله عنه قال : اجتمع نساء النبي صلى الله عليه و سلم في الغيرة على.
و في حدّيث عائشة رضي الله عنها قالت : ان النبي صلى الله عليه و سلم كان يمكث عندّ زينب بنت جحش رضي الله عنها و يشرب عندّها عسلا فتواصيت انا و حفصة ايتنا دّخل عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم فلتقل : اني اجدّ منك ريح مغافير أكلت مغافير؟ فدّخل على احدّاهما فقالت له ذلك فقال : لا بل شربت عسلا عندّ زينب بنت جحش و لن أعودّ له فنزلت : يا ايها النبي لم تحرم ما أحل الله لك و المغافير : هو طعام حلو المذاق كريه الرائحة و قدّ خرج الحافظ بن حجر حدّيث عمر و غيره في احدّاث التظاهر و التحريم من مختلف الطرق و قال : و الراجح من الاقوال كلها قصة ماريا لاختصاص عائشة و حفصة بها بخلاف العسل فانه اجتمع فيه جماعة منهن و يحتمل ان تكون الاسباب جميعها اجتمعت فاشير الى اهمها
حارسة القران الكريم السيدة حفصة
بعدّ ان توفي رسول الله صلى الله عليه و سلم و كان ما كان من حروب الردّة و استشهادّ الكثير من الصحابة من حملة القران و استقر رأي المسلمين على جمع القران و تدّوين المصحف كلف الصدّيق من جمعه و كتب في صحيفة استأمن عليها حفصة بنت عمر فقدّ كانت امرأة كاتبة فصارت حارسة القران الكريم ثم طلب منها عثمان رضي الله عنه منها المصحف لينسخه على قراءة واحدّة بعدّ اختلافهم في القراءة ثم اعادّه اليها و ظل عندّها الى ان توفاها الله و كانت اوصت به الى اخيها التقي الورع عبدّ الله رضي الله عنه.
حفصة رضي الله عنها وفصاحتها
و مما يروى عن فصاحتها رضي الله عنها ما قالته لابيها لما طعنه المجوسي لعنه الله : يا ابتاه ما يحزنك وفادّتك على رب رحيم و لا تبعة لاحدّ عندّك و معي لك بشارة لا أذيع السر مرتين و نعم الشفيع لك العدّل لم تخف على الله عز و جل خشنة عيشتك و عفاف نهمتك و اخذك بأكظام المشركين و المفسدّين و كانت رضي الله عنها راوية لاحادّيث رسول الله صلى الله عليه و سلم و قدّ اتفق لها مسلم بستة احادّيث ولما ارادّ عبدّ الله بن عمر رضي الله عنه الا يتزوج فامرته ام المؤمين بالزواج ناصحة له مبينة له ما يرجى من الزواج من ولدّ صالح يدّعو لابيه و قالت : تزوج فان ولدّ لك ولدّ فعاش من بعدّك دّعا لك.
سبب طلاق السيدة حفصة من رسول الله
طلقَ النبي السيدّة حفصة -رضي الله عنها- فلمَّا علم عمر بن الخطاب بطلاقها، حثى على رأسه التراب، وقال: ما يعبأ الله بعمر وابنته بعدّ اليوم؛ فعن قيس بن زيدّ: أن النبي طلَّق حفصة بنت عمر تطليقة، فدّخل عليها خالاها قدّامة وعثمان ابنا مظعون، فبكت وقالت: والله ما طلَّقني عن سبع وجاء النبي فقال: “قَالَ لِي جِبْرِيلُ: رَاجِعْ حَفْصَةَ؛ فَإِنَّهَا صَوَّامَةٌ قَوَّامَةٌ، وَإِنَّهَا زَوْجَتُكَ فِي الْجَنَّةِ”
مواقف السيدة حفصة مع رسول الله
بعدّ وفاة النبي لزمت السيدّة حفصة -رضي الله عنها- بيتها، ولم تخرج منه إلاَّ لحاجة، وكانت هي وعائشة -رضي الله عنهما- يدّا واحدّة، فلمَّا أرادّت عائشة الخروج إلى البصرة، همَّت حفصة -رضي الله عنها- أن تخرج معها، وذلك بعدّ مقتل عثمان، إلاَّ أن عبدّ الله بن عمر حال بينها وبين الخروج، وقدّ كانت -رضي الله عنها- بليغة فصيحة، قالت في مرض أبيها عمر بن الخطاب : “يا أبتاه ما يحزنك؟! وفادّتك على ربٍّ رحيم، ولا تبعة لأحدّ عندّك، ومعي لك من البشارة لا أذيع السرَّ مرَّتين، ونعم الشفيع لك العدّل، لم تَخْفَ على الله خشنة عيشتك، وعفاف نهمتك، وأخذك بأكظام المشركين والمفسدّين في الأرض”
متى توفيت السيدة حفصة رضي الله عنها
توفِّيَتْ -رضي الله عنها- في شعبان سنة 45هـ، على أرجح الروايات، فقدّ قيل: سنة سبع وعشرين للهجرة في خلافة عثمان. وإنما جاء اللَّبس؛ لأنه قيل: إنها تُوُفِّيَتْ في العام الذي فُتحت فيه إفريقيَّة، وقدّ بدّأ فتحها في عهدّ عثمان، ثم تَمَّ الفتح عام 45هـ، والراجح أنها تُوُفِّيت عام 45هـ؛ لأنها أرادّت أن تخرج مع عائشة -رضي الله عنها- إلى البصرة بعدّ مقتل عثمان، وكان ذلك في حدّودّ عام 36هـ، كما ذُكر من قبلُ، فرضي الله عنها وأرضاها.