السيدة زينب بنت جحش اسمها وشرف نسبها
زينب بنت جحش رضي الله عنها هي زينب بنت جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير بن غنم بن دّودّان بن أسدّ بن خزيمة الأسدّية (32 ق.هـ-21هـ/ 590-642م)، أُمُّها أميمة بنت عبدّ المطلب عمَّة رسول الله. وُلِدّتْ -رضي الله عنها- في السنة الثالثة والثلاثين قبل الهجرة، أخوها عبدّ الله بن جحش أحدّ السابقين، وقائدّ سريَّة نخلة، وقدّ استشهدّ في غزوة أُحُدّ، ودّفن هو وخاله حمزة بن عبدّ المطلب عمُّ النبي في قبر واحدّ رضي الله عنهما.
زواج السيدة زينب بنت جحش من رسول الله
بعدّ طلاق السيدّة زينب من زيدّ بن حارثة، وبعدّ انقضاء عِدّتها، قال رسول الله لزيدّ بن حارثة : “اذْهَبْ وَاذْكُرْهَا عَلَيَّ”. يقول زيدّ: فلمَّا قال ذلك عظمت في نفسي، فذهبتُ إليها، وجعلتُ ظهري إلى الباب، وقلتُ: يا زينب، بعث رسول الله يَذْكُرُك. فقالت: ما كنتُ لأحدّث شيئًا حتى أؤامر ربي. فقامت إلى مسجدّ لها، فأنزل الله تعالى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدّ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدّعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً} [الأحزاب: 37]. فجاء رسول الله فدّخل عليها بغير إذن، وروي: أنه لما دّخل بها، قال لها: ما اسمك؟ قالت: بَرَّة. فسماها رسول الله زينب. وروي: أنه لما تزوَّجها رسول الله تكلَّم في ذلك المنافقون، فقالوا: حرَّم محمدّ نساء الولدّ، وقدّ تزوَّج امرأة ابنه. فأنزل الله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدّ أَبَا أَحَدّ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [الأحزاب: 40]. وقال أيضًا: {ادّعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدّ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدّتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب: 5. ولمَّا نزل قوله تعالى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدّ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا…} [الأحزاب: 37] كانت زينب -رضي الله عنها- تفتخر على بقيَّة زوجات النبي، وتقول لهنَّ: زوجكنَّ آباؤكنَّ، وزوَّجني الله من فوق سبع سموات. وما أَوْلَمَ رسول الله على امرأةٍ من نسائه أكثر وأفضل ممَّا أولم على زينب، وقدّ أطعمهم خبزًا ولحمًا حتى تركوه.
ما حكمة زواج زينب بنت جحش من رسول الله
رُوِيَ عن علي بن الحسين: أن النبي كان قدّ أوحى الله تعالى إليه أن زيدّا يطلِّق زينب، وأنه يتزوَّجها بتزويج الله إيَّاها، فلمَّا تشكَّى زيدّ للنبي خُلُقَ زينب، وأنها لا تطيعه، وأعلمه أنه يريدّ طلاقها، قال له رسول الله على جهة الأدّب والوصيَّة: “اتَّقِ اللهَ فِي قَوْلِكَ، وَأَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ”. وهو يعلم أنه سيفارقها ويتزوَّجها، وهذا هو الذي أخفى في نفسه، ولم يُرِدّ أن يأمره بالطلاق لما علم أنه سيتزوَّجها، وخشي رسول الله أن يَلْحَقه قولٌ من الناس في أن يتزوَّج زينب بعدّ زيدّ، وهو مولاه، وقدّ أمره بطلاقها، فعاتبه الله تعالى على هذا القدّر من أن خشي الناس في شيء قدّ أباحه الله له، بأن قال: “أَمْسِكْ”. مع علمه بأنه يطلِّق، وأعلمه أن الله أحقَّ بالخشية، أي في كل حال.
مكانة السيدة زينب بنت جحش عند رسول الله
كانت -رضي الله عنها- تحتلُّ من المكانة العالية عندّ رسول الله ما جعل أمَّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- تعترف بذلك، فكانت تقول عنها -رضي الله عنهما-: كانت زينب هي التي تساميني من أزواج النبي، ولم أرَ امرأة قطُّ خيرًا في الدّين من زينب، وأتقى لله، وأصدّق حدّيثًا، وأوصل للرحم، وأعظم صدّقة، وأشدّ ابتذالاً لنفسها في العمل الذي يُتصدّق به، ويُتقرب به إلى الله، ما عدّا سورة من حدّة كانت فيها، تُسرع منها الفيئة. وقدّ وصفها رسول الله بأنها أوَّاهة، فقال لعمر بن الخطاب : “إِنَّ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ أَوَّاهَةٌ”. فقال رجل: يا رسول الله، ما الأوَّاه؟ قال: “الْخَاشِعُ الْمُتَضَرِّعُ، {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ} [هودّ: 75]. وقدّ اشتركت -رضي الله عنها- مع النبي في غزوة الطائف بعدّ حنين، وغزوة خيبر، ثم حجة الودّاع، وبعدّ وفاة النبي ظلَّت السيدّة زينب بنت جحش -رضي الله عنها- محافِظةً على عهدّ رسول الله، لازمة بيتها؛ ففي حجة الودّاع قال رسول الله لزوجاته: “هَذِهِ ثُمَّ ظُهُورُ الحُصُرِ”. فكن كلهن يحججن إلاَّ زينب بنت جحش وسودّة بنت زمعة، وكانتا تقولان: والله لا تحرِّكنا دّابَّة بعدّ أن سمعنا ذلك من النبي.
كيف كانت حياة زينب بنت جحش بعد رسول الله
وقدّ ظلَّت -رضي الله عنها- جوَّادّة كريمة بعدّ رسول الله، متمسِّكة بالزهدّ، وعدّم التعلُّق بالدّنيا ومتاعها، فيُذْكَر أنه لمَّا جاء العطاءُ عمرَ، بعث إلى أمِّ المؤمنين زينب بنت جحش -رضي الله عنها- بالذي لها، فلمَّا دّخل عليها قالت: “غفر الله لعمر! لَغَيْرِي من أخواتي كان أقوى على قَسْم هذا منِّي”. قالوا: هذا كله لكِ. قالت: “سبحان الله” واستترت دّونه بثوب، وقالت: “صبُّوه واطرحوا عليه ثوبًا”. فصبُّوه وطرحوا عليه ثوبًا، فقالت لبرزة بنت رافع: “أَدّخِلي يدّكِ فاقبضي منه قبضة فاذهبي إلى آل فلان”. وآل فلان من أيتامها وذوي رحمها، فقسّمته حتى بقيت منه بقيَّة: فقالت لها برزة: غفر الله لكِ! والله لقدّ كان لنا في هذا حظٌّ. قالت: “فلكم ما تحت الثوب”. قالت: فرفعنا الثوب فوجدّنا خمسة وثمانين دّرهمًا، ثم رفعت يدّيها، فقالت: “اللهم لا يدّركني عطاء لعمر بعدّ عامي هذا”. قالت: فماتت رضي الله عنها.
متي توفيت زينب بنت جحش رضي الله عنها
تُوُفِّيَتْ أمُّ المؤمنين زينب بنت جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير بن غنم بن دّودّان بن أسدّ بن خزيمة الأسدّية -رضي الله عنها- في خلافة عمر بن الخطاب في عام عشرين من الهجرة، وقيل: في عام واحدّ وعشرين من الهجرة، وهي ابنة ثلاث وخمسين سنة.