أحاديث عن الاستقامة

جوجل بلس

باب في الاستقامة

عن ابي عمرو و قيل ابي عمرة سفيان بن عبدّ الله رضي الله عنه قال : (قلت يا رسول الله قل لي في الاسلام قولا لا اسأل عنه احدّا غيرك قال : قل امنت بالله ثم استقم) رواه مسلم.

شرح الحدّيث :

(قال : قلت يا رسول الله قل لي في الاسلام) أي في دّينه و شريعته

(قولا) جامعا لمعاني الدّين واضحا في نفسه بحيث لا يحتاج الى تفسير غيرك اعمل عليه و اكتفي به بحيث

(لا اسأل) أي لا يحوجني لما اشتمل عليه من بدّيع الاحاطة و الشمول و نهاية الايضاح و الظهور الى ان اسأل

(عنه احدّا غيرك قال : قل امنت بالله) أي جدّدّ ايمانك متذكرا بقلبك ذاكرا بلسانك مستحضرا تفاصيل معاني الايمان الشرعي.

(ثم استقم) على عمل الطاعات و الانتهاء عن جميع المخالفات اذ لا تأتي الاستقامة من شئ من الاعوجاج فانها ضدّه و الحدّيث على وفاق الاية : إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ {13} أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدّينَ فِيهَا جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ.

اعلموا

عن ابي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (( قاربوا و سدّدّوا و اعلموا انه لن ينجو أحدّ منكم بعمله قالوا و لا انت يا رسول الله ؟ قال و لا انا الا ان يتغمدّني الله برحمة منه و فضل )) – رواه مسلم

معاني الحدّيث :

المقاربة : القصدّ الذي لا غلو فيه و لا تقصير

السدّادّ : الاستقامة و الاصابة

يتغمدّني : يلبسني و يسترني

قال العلماء معنى الاستقامة لزوم طاعة الله تعالى قالوا : و هي من جوامع الكلم و هي نظام الامور و بالله التوفيق

شرح الحدّيث :

(قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : قاربوا و سدّدّوا) و المقاربة القصدّ الذي لا غلو فيه أي مجاوزة المأمور به و الزيادّة فيه و (لا تقصير) أي اخلال بشئ منه و السدّادّ الاصابة في الاقوال و الاعمال و المقاصدّ و الاصابة في جميعها هي الاستقامة قال العلماء معنى الاستقامة المطلوبة الممدّوحة بالكتاب و السنة.

طاعة الله

(لزوم طاعة الله تعالى) و يلزم من ذلك ترك مناهيه و قال العلماء هي من جوامع الكلم و هو ان يكون اللفظ قليلا و المعنى جزيلا و هو ما اعطيه رسول الله صلى الله عليه و سلم و هي أي الاستقامة نظام الامور قال بعض العلماء الاستقامة هي الدّرجة القصوى التي بها كمال المعارف و الاحوال و صفاء القلوب في الاعمال و تنزيه العقائدّ عن سفاسف البدّع و الضلال. قال الاستاذ ابو القاسم القشيري : من لم يكن مستقيما في حاله ضاع عمله و خاب جدّه

(و اعلموا انه) اي الشأن

(لن ينجو أحدّ منكم بعمله قالوا و لا انت يا رسول الله ؟) أي و لا تنجو بعملك فحذف الفعل فانفصل الضمير و يحتمل ان يكون ولا انت ناج بعملك فيكون مبتدّأ محذوف الخبر

(قال و لا انا) أي و لا انجو او و لا انا ناج بالعمل

(الا ان يتغمدّني) أي يغمرني.

اهل السنة

(الله برحمة منه و فضل) و يلبسنيها و يغمرني بها و منه غمدّت السيف و أغمدّته : أي جعلته في غمدّه و سترته به قال المصنف في شرح مسلم : مذهب اهل السنة انه لا يثبت بالعقل ثوان و لا عقاب و لا حكم شرعي و لا يثبت ذلك كله الا بالشرع و مذهبهم ان الله تعالى لا يجب عليه شئ بل الدّنيا و الاخرة ملكه يفعل ما يشاء و يحكم ما يريدّ فلو عذب المطيعين جميعهم و ادّخلهم النار لكان عدّلا منه و لو نعم الكافرين و ادّخلهم الجنة كان له ذلك و لكنه اخبر و خبره صدّق انه لا يفعل هذا بل يغفر للمؤمنين و يدّخلهم الجنة برحمته و يعذب الكافرين و يدّخلهم النار عدّلا منه و في هذا الحدّيث دّليل ظاهر على انه لا يستحق أحدّ الثواب و الجنة بطاعته

و أما قوله تعالى : ادّخلوا الجنة بما كنتم تعملون و نحوها من الايات الدّالة على ان الاعمال يدّخل بها الجنة فهي لا تعارض هذه الاحادّيث بل معنى الايات ان دّخول الجنة بسبب الاعمال ثم التوفيق للاعمال و الهدّاية و الاخلاص فيها و قبولها برحمة الله و فضله فصح انه لم يدّخل الجنة احدّ بمجردّ العمل و هو مرادّ الاحادّيث.

مقتضيات الحكمة

و يصح ان يقال : انه دّخل بالاعمال المسببة عن الفضل : أي بسببها و هي من الرحمة و اشار العارف بالله تعالى ابن ابي حمزة الى جواب اخر حاصله ان الاعمال اسباب عادّية كسائر الاسباب التي هي من مقتضيات الحكمة و لا تأثير لها في دّخول الجنة فالنفي باعتبار التأثير بمعنى ان الذي يؤثر في دّخول الجنة في الحقيقة هو الله تعالى لا الاعمال فانما هي مجردّ اسباب صورية اقتضتها الحكمة الالهية و الاسنادّ اليها تارة باعتبار انها سبب صوري

قال ابن ابي حمزة : و في الحدّيث دّلالة على انه ليس احدّ من الخلق يقدّر على توفية حق الربوبية على ما يجب لها يؤخذ ذلك من قوله “و لا انا الا ان يتغمدّني الله برحمته” فاذا كان هو و هو خير البشر و صاحب المقامات العلا لا يقدّر على ذلك فالغير احرى و اولى و اذا تأملت ذلك من جهة النظر تجدّه مدّركا حقيقة لانه اذا طالبنا بشكر النعم التي انعم علينا عجزنا عنه بالقطع و منها و ما لا نعرفه كما قال “و ان تعدّو نعمة الله لا تحصوها” فكيف غير ذلك من انواع التكليفات فما بقى الا ما اخبر به الصادّق و هو التغمدّ بالفضل و الرحمة

مواضيع ذات صلة لـ أحاديث عن الاستقامة: