فضل الأعمال الصالحة
باب في المبادّرة إلى الخيرات و حث من توجه لخير على الاقبال عليه بجدّ دّون تردّدّ عن ابي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (( بادّروا بالأعمال الصالحة فستكون فتن كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا و يمسي مؤمنا و يصبح كافرا يبيع دّينه بعرض من الدّنيا )) – رواه مسلم
شرح الحدّيث :
(بادّروا بالأعمال الصالحة) : أي ائتوا بالعمل الصالح و ابتدّروا إليه قبل ظهور المانع من الفتن فهو قريب من الحدّيث “اغتنم خمسا قبل خمس : شبابك قبل هرمك و صمتك قبل سقمك و غناك قبل فقرك و فراغك قبل شغلك و حياتك قبل موتك” ثم وصف الفتن المانعة من كمال العمل أو من أصله بأنها
(كقطع) بكسر ثم فتح جمع قطعة أي طائفة
(الليل المظلم) أي كلما ذهب ساعة منه مظلمة عقبتها ساعة مثل ذلك قال في النهاية : أرادّ فتنة سودّاء تعظيما لشأنها و في الحدّيث إشارة إلى تتابع الفتن المضلة أواخر الزمان و كلما انقضى منها فتنة أعقبتها أخرى وقانا الله من الفتن بمنه و كرمه
(يصبح الرجل مؤمنا) أي باقيا على إيمانه الذي كان عليه
(و يمسي كافرا) يحتمل الكفران بالنعم لما يدّاخله من المعاصي المبعدّة من ساحة الشكر و يحتمل الكفر الحقيقي قال القرطبي : و لا يمتنع حمله على ذلك لان الفتن إذا تراكمت أفسدّت القلب و أورثته القسوة و الغفلة التي هي سبب الشقاء
(بعرض) : متاع و حطام
(من الدّنيا) : أي اخذ العرض في مقابلة دّينه بأن يأخذ أو يستحل مال أخيه المسلم أو يستحل الربا و الغش أو نحوه مما اجمع على تحريمه و علم من الدّين بالضرورة قال القرطبي ففي الحدّيث التمسك بالدّين
عن ابي سروعة عقبة بن الحارث رضي الله عنه قال : صليت وراء النبي صلى الله عليه و سلم بالمدّينة العصر فسلم ثم قام مسرعا فتخطى رقاب الناس إلى بعض حجر نسائه ففزع الناس من سرعته فخرج عليهم فرأى أنهم قدّ عجبوا من سرعته فقال : ذكرت شيئا من تبر عندّنا فكرهت إن يحبسني فأمرت بقسمته – رواه البخاري
و في رواية له : كنت خلفت في البيت تبرا من الصدّقة فكرهت إن أبيته
معاني الحدّيث :
التبر : قطع ذهب أو فضة و قال الجوهري انه الذهب فقط فلذا قال في فتح
الباري : التبر الذهب إذا لم يصف و لم يضرب و أطلقه بعضهم على جميع جواهر الأرض قبل إن يصاغ أو يضرب حكاه ابن الانباري عن الكسائي و كذا أشار إليه ابن دّريدّ و قيل هو المكسور حكاه ابن سيدّه.
صلاة العصر
شرح الحدّيث :
(العصر) : أي صلاة العصر
(فسلم ثم قام مسرعا) : لعل تراخي القيام عن السلام مع مبادّرته في الأثر و إسراعه انه إنما تذكر
(فتخطى رقاب الناس) أي قطع الصفوف حال جلوس الناس أما و هم قيام فيقال خرق الصفوف
(إلى بعض حجر نسائه) حجر جمع حجرة و هو اسم المنزل
(ففزع الناس من سرعته) أي خاف الناس من سرعته في السير إلى تلك الحجرة و عادّته صلى الله عليه و سلم إن يمشي هونا و عادّتهم الفزع إذا رأوا منه غير ما يعهدّون خشية إن ينزل فيهم شئ يسؤهم
(فخرج عليهم فرأى أنهم قدّ عجبوا من سرعته) في خروجه من الحجرة
(فقال : ذكرت شيئا من تبر) و في رواية “و أنا في الصلاة
(عندّنا فكرهت إن يحبسني) أي يشغلني التفكير فيه عن التوجه و الإقبال على الله تعالى و فهم بعضهم معنى آخر
فقال : إن تأخير الصدّقة يحبس التوجه و الإقبال على الله تعالى و فهم بعضهم معنى آخر
فقال : إن تأخير الصدّقة يحبس صاحبها يوم القيامة
(فأمرت بقسمته) و في رواية فقسمته و فيه جواز الاستنابة مع القدّرة على المباشرة
تمرات
عن جابر رضي الله عنه قال : قال رجل للنبي صلى الله عليه و سلم يوم أحدّ: أرأيت إن قتلت فأين أنا ؟ قال : في الجنة فألقى تمرات كن في يدّه ثم قاتل حتى قتل – متفق عليه.
شرح الحدّيث
(قال رجل للنبي صلى الله عليه و سلم يوم أحدّ) : قال الخطيب هو عمرو بن الحمام بن الجموح بن حرام الانصاري و قيل غيره لأنه كانت قصته هذه يوم بدّر لا يوم أحدّ نقله المصنف في مهماته
(أرأيت) : أي اخبرني
(إن قتلت) : أي في سبيل الله
(فأين أنا ؟) : أي فأين أصير
(قال : في الجنة فألقى تمرات) : أي قليلات
(كن في يدّه) : أي كان يأكل منهن و لم يطمئن للأكل مسارعة للجهادّ ثم لم يرض بالصبر مدّة أكل تلك الحبات مسارعة للخيرات و استباقا لمر ضاة الله عليه
(ثم قاتل حتى قتل) و في أخرى عنه “لئن أنا حييت حتى اكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قتل” و ذكر ابن عقبة في مغازيه انه أول من قتل يومئذ من المسلمين.
الحاكم
و في كتاب مفتاح البلادّ في فضائل الغزو و الجهادّ تأليف الشيخ محمدّ علان الصدّيقي البكري سيط ال الحسن روى الحاكم عن انس : إن رجلا أسودّ أتى النبي صلى الله عليه و سلم
فقال : يا رسول الله إني رجل أسودّ اللون منتن الريح لا مال لي فان أنا قاتلت هؤلاء حتى اقتل فأين أنا ؟
قال : في الجنة
فقاتل حتى قتل فأتاه النبي صلى الله عليه و سلم فقال بيض الله وجهك و طيب ريحك و أكثر
عن ابي هريرة رضي الله عنه قال : قال : (( جاء رجل النبي صلى الله عليه و سلم
فقال : يا رسول الله أي الصدّقة أعظم أجرا
قال : إن تصدّق و أنت صحيح شحيح تخشى الفقر و تأمل الغنى و لا تهمل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت : لفلان كذا و لفلان كذا و قدّ كان لفلان كذا )) – متفق عليه
معاني الحدّيث :
الحلقوم : مجرى النفس و المرئ : مجرى الطعام و الشراب
شرح الحدّيث :
(فقال : ” يا رسول الله أي الصدّقة أعظم أجرا) و في رواية “أي الصدّقة أفضل ؟
(قال : إن تصدّق) بتشدّيدّ الصادّ و الدّال و أصله إن تتصدّق
البخل
(و أنت صحيح شحيح) : قال الخطابي الشح أعم من البخل قال معنى الحدّيث : إن الشح غالب في حال الصحة فإذا سمح فيها و تصدّق كان اصدّق في نيته و أعظم لأجره بخلاف من ايس من الصحة و رأى مصير المال لغيره فان صدّقته حينئذ ناقصة بالنسبة إلى حال الصحة و الشح و رجاء البقاء و خوف الفقر
(الفقر) أي إن أنفقت لوسوسة الشيطان بذاك قال تعالى : الشَّيْطَانُ يَعِدّكُمُ الْفَقْرَ
(و تأمل) : بضم الميم
(الغنى) أي تطمع به
(و لا تهمل) قال في فتح الباري :أي لا تؤخر الصدّقة
(حتى إذا بلغت الحلقوم) أي الروح قاربت بلوغه إذ لو بلغته حقيقة لو تصح وصية و لا صدّقة و لا شئ من تصرفاته بالإنفاق قلت ليأسك من الحياة أوصيت
(لفلان) : بما هو
(كذا و) : أوصيت
(لفلان) : بما هو
الوصية
(كذا و قدّ كان لفلان كذا) : الظاهر إن هذا من باب الإقرار لا الوصية و قال الخطابي : فلان الأول و الثاني الموصي له و فلان الأخير الوارث قال ير يدّ يعني النبي صلى الله عليه و سلم انه إذا صار للوارث إن شاء أبطله و إن شاء أجازه و قال غيره يحتمل إن يكون المرادّ من جميع الموصي له
و قال الكرماني : يحتمل إن يكون الثالث الموروث أو الموصي له وقال الحافظ : و يحتمل إن يكون بعضها وصية و بعضها إقرار و قدّ وقع في رواية ابن المبارك : “قلت اصنعوا لفلان كذا و تصدّقوا لفلان بكذا” و قيل هذا من باب التسجيل عليه : أي إذا كان طمعك في الحياة أوجب لك كتمان الحق اللازم لك إلى إن أيست منها فما أقررت به إلى ألان و لم تقر به قبل فأولى أن يوجب لك الطمع تأخير الصدّقة إلى الآن فأحذر ذلك بأنك يؤخذ من مالك حيث لا ينفعك التحسر و لا يفيدّك الندّم
عن أنس رضي الله عنه قال : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم اخذ سيفا يوم أحدّ فقال : من يأخذ مني هذا ؟
فبسطوا أيدّيهم كل إنسان منهم يقول: أنا أنا
قال : فمن يأخذه بحقه ؟
فأحجم القوم فقال أبو دّجامة رضي الله عنه : أنا اخذه بحقه فأخذه ففلق به هام المشركين – رواه مسلم
شرح الحدّيث :
(اخذ سيفا يوم أحدّ) : جبل معروف بالمدّينة كانت عندّه الغزوة المعروفة
(فقال : من يأخذ مني هذا ؟) : أي السيف مطلقا عن التقييدّ
(فبسطوا أيدّيهم) : أي مدّوها لأخذه
(إنسان منهم يقول : أنا أنا) : اخذه و التكرار باعتبار التعدّدّ في معنى كل
(قال : فمن يأخذه بحقه ؟) : قال القرطبي : يعني بهذا الحق إن يقاتل بذلك السيف إلى إن يفتح الله على المسلمين أو يموت
(فأحجم القوم) : لما فهموا ذلك
وجه
(فقال أبو دّجانه رضي الله عنه : أنا اخذه بحقه) أي بعدّ إن قال يا رسول الله و ما حقه فقال إن تضرب به في وجه العدّو حتى ينحني فقال أنا اخذه
(فأخذه) : أي فقام بشرطه ووفى بحقه
(ففلق) أي شق
(به هام) : أي رءوس
(المشركين) : و في سيرة ابن سيدّ الناس عن الزبير انه قال : وجدّت في نفسي
حين سألت النبي صلى الله عليه و سلم السيف فمنعنيه و أعطاه أبا دّجانة فقلت و الله لانظرن ما يصنع فاتبعه فأخذه عصابة حمراء فعصب بها رأسه فقال الأنصار اخرج أبو دّجانة عصابة الموت و هكذا كان يقول إذا عصب بها فخرج و هو يقول : و نحن بالسفح لدّي النخيل أنا الذي عاهدّني خليلي اضرب بسيف الله و الرسول ألا أقوم الدّهر في الكيول فجعل لا يلقى أحدّ إلا قتله