كيف يمكنك التغلب على الخجل

جوجل بلس

كيف يمكنك التغلب على الخجل

 

مراد طالب في سنته الثانية بالجامعة تخصص هندسة، يبلغ 23 سنة من عمره، ينتمي إلى أسرة متوسطة الحال، يعمل أبوه كأمين لإحدى المكتبات العامة بالمدينة، وأمه ربة بيت، يحب مراد المطالعة ومشاهدة الأفلام، وليس لديه أصدقاء، يمضي جل وقته أمام حاسوبه داخل البيت.

يقول مراد إنه لم يعد يطيق نفسه بسبب خجله الحاد، فهو لا يحضر المناسبات الاجتماعية التي يعقدها أقاربه حتى لا يختلط مع الناس، ويتجنب حضور حلقات الجامعة التي تستدعي إلقاء عروض أمام الفصل، كما أنه يرتبك كثيرا وتتشنج عضلات وجهه إذا ما اضطر الحديث مع زملاء له في الجامعة، أما أن يحدث فتاة فذلك أمر يفضل أن يدفن رأسه في التراب على أن يفعله.

يعي مراد جيدا أن خجله هذا تجاوز حده، وأنه قد يشكل مخاطر على مستقبله المهني والأسري أيضا، ويتمنى أن يصبح كباقي الناس يفعل ما يحب ويتحدث أمام التجمعات بطلاقة وعفوية كما يفعل الكثيرون، وأن لا تملكه تلك الرهبة التي تفسد عليه حياته كلما اقترب من بني الانسان، مثلما يحلم بالتعارف مع فتاة لا تجده مدعاة للسخف والشفقة.

أما هند ذات الثلاثين ربيعا، فتعيش وحيدة وغير متزوجة، تعمل ككاتبة بإحدى المؤسسات الإدارية، تذكر جيدا كيف أنها تعيش حياة تعيسة منذ مراهقتها، تتمنى أن تنجب أطفالا وتنشأ أسرة، لكنها تقول أنه كلما أراد شاب من الشبان التعارف معها، تحاول بأي طريقة الانصراف عنه بسبب خجلها الشديد وإن كانت تريد ذلك، علاوة على أن وجهها يصبح محمرا في كل مرة تضطر فيها الحديث في اجتماع إداري، بل ورفضت ترقية في عملها حتى تتجنب التواصل مع الآخرين، وفضلت الاعتكاف في مكتبها الذي لا يطرق بابه أحد إلا قليلا.

حسنا، قد يصعب على الكثير فهم كيف لأناس مثل مراد وهند أن يمتلكهم خجل بمثل هذه الحدة لدرجة أن يمنعهم من القيام بأمور تبدو عادية وبسيطة للغاية، لكن توجد بالفعل قصص أسوأ من ذلك.

في الواقع الخجل حالة سلوكية نفسية طبيعية، ومعظم الناس يشعرون بالخجل أحيانا بدرجات متفاوتة في مواقف بعينها، بل هناك العديد من مشاهير الفن والرياضة والثقافة الذين يبدون خجولين للغاية، فضلا عن أن العالم بحاجة ماسة لأولئك الأشخاص الذين يتسمون بالهدوء والتأمل والرؤية، لذا إذا كنت فخورا بخجلك فهذا المقال ليس لك، وإنما هنا نتحدث عن الخجل حينما يصير مرضا مزمنا، في هذا الحال فإنه يصبح رهابا اجتماعيا، يعيق الفرد عن التعبير عن نفسه بأريحية، ويمنعه من ربط علاقات اجتماعية سليمة، باختصار حينما يصبح الخجل سالبا للحياة فينبغي معالجته قبل أن يحولها إلى جحيم.

يقول أخصائيو النفس التربية هي مولد الخجل الاجتماعي، الذي يبدأ منذ الطفولة ويتطور ليتفاقم مع مختلف مراحل الحياة الاجتماعية، فالتنشئة التي تعمل على القمع وعدم إتاحة الفرص للمشاركة والاندماج، تجعل سلوك الخجل يزداد تدريجيا، مثلما أيضا الارتباط الشديد بالوالدين خصوصا الأم، يصنع ابنا غير قادر على نسج علاقات خارج الإطار الأسري، كما أن السخرية المحطة بالنفس التي يتعرض لها الطفل من قبل الأقران أو المدرسين، ربما تشكل صدمات تدفعه إلى الانسحاب رويد رويدا من الحياة الاجتماعية مفضلا عدم مخالطة الآخرين تجنبا للسخرية، ومن ثم يتطور الخجل إلى مرض الرهاب من الناس، ومن جهة أخرى يرتبط الخجل بالعامل الوراثي كذلك، حيث تكون لدى الشخص استعدادات فطرية، مرت إلى تكوينه البيولوجي عبر جينات الوالدين، ليتعرض للخجل في شكله الحاد بمجرد أن تثار هذه الاستعدادات من قبل مؤثرات خارجية مثل التنشئة أو البيئة الاجتماعية.

و يرى مختصو علم النفس أن لكل شخص خجول حالة خاصة، إذ لكل أسبابه واستجاباته، بيد أننا سنقدم في الآتي حزمة من الخطوات البسيطة، نروم بها مساعدة الأشخاص الذين يعانون الرهاب الاجتماعي:

حلل مواقف خجلك 
خذ ورقة وقلم، وقم بتسجيل المواقف التي تخجل منها عادة، ثم حاول البحث عن الدوافع العميقة التي تجعلك تخجل من التحدث أمام الناس مثلا، واقترح لكل موقف بديلا سلوكيا جديدا ثم اعزم على أن تتصرف على أساسه عندما تقع في مثل تلك الحالات.

شارك في نواد جماعية 
ابحث عن نواد تقوم بأنشطة جماعية والزم نفسك بالانخراط فيها، ربما تكون فرقة رياضة أو فن أو مسرح أو فكاهة أو غيرها، هذا الأمر سيتيح لك التمرن على الاحتكاك بالآخرين والتعبير عن نفسك، مما سيقلل رهابك الاجتماعي .

احضر مناسبات اجتماعية 
لا ترفض دعوة بعد الآن، فالمناسبات الاجتماعية سواء كانت عرسا أو عقيقة أو غير ذلك تعد فرصة ثمينة للتعارف واستيعاب المهارات اللازمة للتواصل مع الآخرين.

تعرف على الغرباء 
يعتبر هذا التمرين ضروريا لكل من يعاني الرهاب الاجتماعي، حاول أن تحدث أناسا غرباء عنك مثلا في الحديقة أو في القطار، وتجتذب أطراف الحديث معهم، سيكون هذا الأمر مشجعا بالنسبة لك لأنه في هذه الحالة لا تملك خبرة قبلية سلبية معهم يمكنها أن تربكك في التصرف كالشأن مع معارفك مثلا.

ركز على الآخرين بدلا من ذاتك 
يعاني الأفراد الخجولون من إفراط في الوعي بالذات، فهم عادة ينشغلون كثيرا بأفكارهم وأحاسيسهم النفسية وعالمهم الداخلي حتى خلال تواصلهم مع الآخرين، ما يقلل فرص استجاباتهم لما يدور خارج ذواتهم بشكل مناسب، لكن الانشغال بالعالم الخارجي سينسي المرء نفسه بالقدر الذي ينبغي لممارسة حياته طبيعيا.

اصقل مهاراتك للتواصل مع الآخرين 
يفتقر معظم المصابين بالقلق الاجتماعي للمهارات التواصلية، نتيجة قلة خبرتهم الإنسانية، لذلك ينصح بالتدريب في دورات تكوينية أو ما شابه ذلك لتعلم بعض المهارات الاجتماعية، التي ستمنح الخجول قدرا من الثقة لخوض غمار التواصل مع الآخر، فالخجل عادة يكون كآلية دفاع نفسية يستخدمها الشخص لتغطية ضعفه في المهارات الاجتماعية.

أظهر اهتمامك بالآخرين 
عند تواصلك مع شخص تفاعل معه بحيوية، وأظهر له اهتمامك، تواصل بعينيك ولا تدنيها أسفلك، وحافظ على هيئة متزنة وقوية سواء كنت جالسا أو واقفا.

واجه ما تخجل منه 
الخوف من الوقوع في الخطأ هو أصل الخجل، لذلك لا تحاول أبدا التهرب من بعض المقابلات أو بعض الإجراءات التي تشعر نحوها بنفور بغيض، بما في ذلك الجنس الآخر الذي تخشى محادثته، فانتهز الفرص وتعارف معه، ستفيدك التجارب العاطفية كثيرا.

تخلص من وساوسك 
يتخيل دائما الخجول بأنه سيكون محط سخرية أمام الآخرين حتى قبل أن يفعل شيئا، ويتصور بأنه سيرتكب حماقات لا محالة، ويقتنص أدنى إيماءة من الآخرين ليفسرها كرد فعل سلبي اتجاهه، يساعده في ذلك خياله المشبع بالتفكير السلبي التشاؤمي.

حافظ على رباطة جأشك 
عند مواجهتك مواقف محرجة مهما كان ما كنت تشعر به من إحراج وخوف، تماسك واحرص على ثباتك، واحتفظ بوجه جامد أمام أي كان، ببساطة كن هادئا ومتزنا ولا تسمح للآخرين أن يروا ما بداخلك من خلال تعابير وجهك أو نبرة صوتك.

احرص على الاسترخاء 
المصاب بالرهاب الاجتماعي في غالب أوقاته يكون متوترا ويعيش صراعا نفسيا، لذلك فتمارين الاسترخاء تعد ضرورية له، إذا أحسست بارتباك أو توتر وأنت في موقف محرج يمكنك ببساطة الاستئذان من الآخرين وأخذ وقت مستقطع بعيدا عن الأنظار لتسترخي قليلا وتعيد لنفسك ثباتها، ثم تستكمل ما بدأته ثانية.

قدر ذاتك 
ينقص الأفراد الذين يعانون من القلق الاجتماعي تقدير الذات، ما يجعلهم يشعرون بدونية تصل الحضيض بمجرد الوقوف أمام الآخر، وبالتالي فاستعادة الثقة بالذات أمر مطلوب لموجهة هذا الشعور البغيض، وأول ما ينبغي أن تفعله بنفسك هو أن تقدر نفسك ولا تسحقها بالنقد الذي غالبا ما يكون مبالغا فيه وجلدا للذات غير مبرر.

لا تدع التافهين ينالون منك 
اعلم أن بعض المزعجين ينتهزون أدنى فرصة لإظهار عيوب الآخرين، أو لمجرد السخرية والتسلية، فلا تلقِ لهم بالا وامض في حديثك أو أي مما تقوم به، وواجه سخريتهم ببرود وهدوء حتى لا تجعلهم يفرحون بإغاظتك.

صمم على أن تصبح مستقلا 
ينبغي أن تعرف أن شخصيتك متميزة عن أي شخص، وبالتالي فلست مضطرا لإرضاء أي أحد لأنك ببساطة تشبه نفسك فقط، فرغباتك وأفكارك وأحاسيسك ملك لك، فلا تجعلها تابعة لوجهة نظر الآخرين حولك، وافهم كم تكون حياتك مريحة عندما تكتسب هذه الميزة، عندئذ يمكنك أن تتحدث مع أي كان وبأريحية تامة.

لا تخش مواجهة عيوبك 
ليس هناك شخص على وجه الأرض لا يرتكب أخطاء جمة وليست لديه نقط ضعف، لذا فلست أنت الوحيد الذي في هذا الشأن، بالإضافة إلى ذلك فإنك لن تتعلم شيئا ما لم تخطئ وتواجه عيوبك بشجاعة، لأنه ببساطة لن يصلحها غيرك، لذا قم بتشخيص إمكانياتك وامض قدما لتنميتها.

تذكر أنك لست مهما كما تظن نفسك 
يظن الخجول نفسه أنه بؤرة اهتمام الآخرين، حيث دائما يترصدونه في كل تصرفاته وأقواله ويتتبعون تحركاته وسكناته وتفاصيله، بينما في الواقع كل شخص مشغول بعالمه وخططه وأعماله، وهذا راجع في العمق لكون الخجول يعتقد في نفسه قيمة كبيرة تستدعي اهتمام الناس، مثلما يرى شخصه مثاليا لا ينبغي له أن يرتكب أدنى خطأ!

في النهاية نود الإشارة إلى أننا لا نزعم إطلاقا أن هذه النصائح كافية لعلاج مرضى الرهاب الاجتماعي، إذ في بعض الحالات المزمنة تتطلب تدخلا إكلينيكيا لا غير، حيث يشخص الطبيب النفسي حالة المريض بدقة ويختار له العلاج المناسب لحالته تلك سواء كان هذا العلاج سلوكيا أو معرفيا أو دوائيا.

مواضيع ذات صلة لـ كيف يمكنك التغلب على الخجل: