من الشَّيخ سليمان بن عبد اللَّه بن يحيى الباروني، عضو مجلس المبعوثان بالدولة العثمانية، المشهور بسليمان باشا الباروني، وهو من إباضِيَّة جبل نفوسة بالقطر الليبي، توجَّه بسؤاله هذا إلى عالم الإباضِيَّة بالمشرق، ومرجعهم في أمور الدين، الإمام عبد اللَّه بن حميد السالمي، ونص السؤال: “هل توافقون على أنَّ من أقوى أسباب اختلاف المسلمين تعدد المذاهب وتباينها؟ على فرض عدم الموافقة على ذلك فما هو الأمر الآخر الموجب للتفرق؟ على فرض الموافقة فهل يمكن توحيدها بالجمع بين أقوالها المتباينة وإلغاء التعدد في هذا الزمن الذي نحن فيه أحوج إلى الاتحاد من كل شيء؟ وعلى فرض عدم إمكان التوحيد فما الأمر القوي المانع منه في نظركم، وهل لإزالته من وجه؟ على فرض إمكان التوحيد فأي طريق يسهل الحصول على النتيجة المطلوبة؟ وأي بلد يليق فيه إبراز هذا الأمر؟ وفي كم سنة ينتج؟ وكم يلزم من المال تقريبًا؟ وكيف يكون ترتيب العمل فيه؟ وعلى كل حال فما الحكم في الساعي في هذا الأمر شرعًا وسياسة؟ مصلح أم مفسد؟”.
وكان هذا السؤال في عام 1326هـ.
فكان من جواب ذلك الإمام له: “نعم نوافق أنَّ منشأ التشتيت اختلاف المذاهب وتشعب الآراء، وهو السبب الأعظم في افتراق الأمة على حسب ما اقتضاه نظركم الواسع.
وللتفرق أسباب أخرى منها، التحاسد والتباغض، والتكالب على الحظوظ العاجلة، ومنها طلب الرئاسة.
وجمع الأمة على الفطرة الإسلاميَّة بعد تشعب الخلاف ممكن عقلًا مستحيل عادة، وإذا أراد اللَّه أمرًا كان ((لو أنفقت ما في الأرض جميعًا ما ألفت بين قلوبهم ولكن اللَّه ألَّفَ بينهم أنَّه عزيز حكيم)) والساعي في الجمع مصلح لا محالة، وأقرب الطرق له أن يدعو الناس إلى ترك الألقاب المذهبية ويحضُّهم على التسمي بالإسلام ((إن الدين عند اللَّه الإسلام))، فإذا أجاب الناس إلى هذه الخصلة العظيمة ذهبت عنهم العصبية المذهبية ولو بعد حين، فيبقى المرء يلتمس الحق لنفسه ويكون الحق أولًا عند آحاد من الرجال ثمَّ يفشو شيئًا فشيئًا حتى يرجع إلى الفطرة.
وهي دعاية الإسلام التي بعث بها محمد عليه الصلاة والسلام، وتضمحل البدع شيئًا فشيئًا، فيصير الناس إخوانًا ((ومن ضل فإنما يضل عليها))، ولو أجاب الملوك والأمراء إلى ذلك لأسرع الناس في قبوله، وكفيتم مؤونة المغرم، وإن تعذر هذا من الملوك فالأمر عسير والمغرم كثير.
وأوفق البلاد لهذه الدعوة مهبط الوحي ومتردد الملائكة، ومقصد الخاص والعام، حرم اللَّه الآمن، لأنه مرجع الكل.
وليس لنا مذهب إلا الإسلام، فمن ثمَّ تجدنا نقبل الحق مِمَّن جاء به وإن كان بغيضًا، ونرد الباطل على من جاء به وإن كان حبيبًا، ونعرف الرجال بالحق، فالكبير عندنا من وافقه والصغير من خالفه، ولم يشرع لنا ابن إباض مذهبًا، وإنما نسبنا إليه لضرورة التمييز حين ذهب كل فريق إلى طريق”.
انتهى جواب السالمي.
وسُئِل المحقِّق سعيد بن خلفان الخليلي -رضوان اللَّه عليه- عن حكم هؤلاء المشبهة هل هم مشركون؟ فكان جوابه لسائله: “إياك ثمَّ إياك أن تعجل بالحكم على أهل القبلة بالإشراك من قبل معرفة بأصوله، فإنه موضع الهلاك والإهلاك”.