مواضيعالاسلامتفسير القرآن الكريمتفسير قوله تعالى ” وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا “

تفسير قوله تعالى ” وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا “

بواسطة : admin | آخر تحديث : 24 مارس، 2021 | المشاهدات: 386

تفسير قوله تعالى ” وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا “

( وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين ( 31 ) وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ( 32 ) وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ( 33 ) )

يخبر تعالى عن كفر قريش وعتوهم وتمردهم وعنادهم ، ودعواهم الباطل عند سماع آياته حين تتلى عليهم أنهم يقولون : ( قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا ) وهذا منهم قول لا فعل ، وإلا فقد تحدوا غير ما مرة أن يأتوا بسورة من مثله فلا يجدون إلى ذلك سبيلا . وإنما هذا قول منهم يغرون به أنفسهم ومن اتبعهم على باطلهم .

وقد قيل : إن القائل لذلك هو النضر بن الحارث – لعنه الله – كما قد نص على ذلك سعيد بن جبير ، والسدي ، وابن جريج وغيرهم ؛ فإنه – لعنه الله – كان قد ذهب إلى بلاد فارس ، وتعلم من أخبار ملوكهم رستم واسفنديار ، ولما قدم وجد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قد بعثه الله ، وهو يتلو على الناس القرآن ، فكان إذا قام – صلى الله عليه وسلم – من مجلس ، جلس فيه النضر فيحدثهم من أخبار أولئك ، ثم يقول : بالله أيهما أحسن قصصا ؟ أنا أو محمد ؟ ولهذا لما أمكن الله تعالى منه يوم بدر ووقع في الأسارى ، أمر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن تضرب رقبته صبرا بين يديه ، ففعل ذلك ، ولله الحمد . وكان الذي أسره المقداد بن [ ص: 47 ] الأسود – رضي الله عنه – كما قال ابن جرير :

حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير قال : قتل النبي – صلى الله عليه وسلم – يوم بدر صبرا عقبة بن أبي معيط وطعيمة بن عدي ، والنضر بن الحارث . وكان المقداد أسر النضر ، فلما أمر بقتله ، قال المقداد : يا رسول الله ، أسيري . فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : إنه كان يقول في كتاب الله – عز وجل – ما يقول . فأمر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بقتله ، فقال المقداد : يا رسول الله ، أسيري . فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : اللهم أغن المقداد من فضلك . فقال المقداد : هذا الذي أردت . قال : وفيه أنزلت هذه الآية : ( وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين )

وكذا رواه هشيم ، عن أبي بشر جعفر بن أبي وحشية ، عن سعيد بن جبير ؛ أنه قال : ” المطعم بن عدي بدل ” طعيمة ” وهو غلط ؛ لأن المطعم بن عدي لم يكن حيا يوم بدر ؛ ولهذا قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يومئذ : لو كان المطعم حيا ، ثم سألني في هؤلاء النتنى لوهبتهم له – يعني : الأسارى – لأنه كان قد أجار رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يوم رجع من الطائف .

ومعنى : ( أساطير الأولين ) وهو جمع أسطورة ، أي : كتبهم اقتبسها ، فهو يتعلم منها ويتلوها على الناس . وهذا هو الكذب البحت ، كما أخبر الله عنهم في الآية الأخرى : ( وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض إنه كان غفورا رحيما ) [ الفرقان : 5 ، 6 ] . أي : لمن تاب إليه وأناب ؛ فإنه يتقبل منه ويصفح عنه .

وقوله : ( وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ) هذا من كثرة جهلهم وعتوهم وعنادهم وشدة تكذيبهم ، وهذا مما عيبوا به ، وكان الأولى لهم أن يقولوا : اللهم ، إن كان هذا هو الحق من عندك ، فاهدنا له ، ووفقنا لاتباعه . ولكن استفتحوا على أنفسهم ، واستعجلوا العذاب ، وتقديم العقوبة كما قال تعالى : ( ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون ) [ العنكبوت : 53 ] ، ( وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب ) [ ص : 16 ] ، ( سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع من الله ذي المعارج ) [ المعارج : 1 – 3 ] ، وكذلك قال الجهلة من الأمم السالفة ، كما قال قوم شعيب له : ( فأسقط علينا كسفا من السماء إن كنت من الصادقين ) [ الشعراء : 187 ] ، وقال هؤلاء : ( اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ) [ ص: 48 ]

قال شعبة ، عن عبد الحميد ، صاحب الزيادي ، عن أنس بن مالك قال : هو أبو جهل بن هشام قال : ( اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ) فنزلت ( وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ) الآية .

رواه البخاري عن أحمد ومحمد بن النضر ، كلاهما عن عبيد الله بن معاذ ، عن أبيه ، عن شعبة ، به .

وأحمد هذا هو : أحمد بن النضر بن عبد الوهاب . قاله الحاكم أبو أحمد ، والحاكم أبو عبد الله النيسابوري ، والله أعلم .

وقال الأعمش ، عن رجل ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله : ( وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ) قال : هو النضر بن الحارث بن كلدة ، قال : فأنزل الله : ( سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع ) [ المعارج : 1 – 2 ] وكذا قال مجاهد ، وعطاء ، وسعيد بن جبير ، والسدي : إنه النضر بن الحارث – زاد عطاء : فقال الله تعالى : ( وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب ) [ ص : 16 ] وقال ( ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة ) [ الأنعام : 94 ] وقال ( سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع ) [ المعارج : 1 ، 2 ] ، قال عطاء : ولقد أنزل فيه بضع عشرة آية من كتاب الله ، عز وجل .

وقال ابن مردويه : حدثنا محمد بن إبراهيم ، حدثنا الحسن بن أحمد بن الليث ، حدثنا أبو غسان حدثنا أبو تميلة ، حدثنا الحسين ، عن ابن بريدة ، عن أبيه قال : رأيت عمرو بن العاص واقفا يوم أحد على فرس ، وهو يقول : اللهم ، إن كان ما يقول محمد حقا ، فاخسف بي وبفرسي .

وقال قتادة في قوله : ( وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك ) الآية ، قال : قال ذلك سفهة هذه الأمة وجهلتها فعاد الله بعائدته ورحمته على سفهة هذه الأمة وجهلتها .

وقوله تعالى : ( وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ) قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو حذيفة موسى بن مسعود ، حدثنا عكرمة بن عمار ، عن أبي زميل سماك الحنفي ، عن ابن عباس قال : كان المشركون يطوفون بالبيت ويقولون : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك فيقول النبي – صلى الله عليه وسلم – : قد قد ! ويقولون : لا شريك لك ، إلا شريكا هو لك ، تملكه وما ملك . ويقولون : غفرانك ، غفرانك ، فأنزل الله : ( وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ) قال ابن عباس : كان فيهم أمانان : النبي – صلى الله عليه وسلم – والاستغفار ، فذهب النبي – صلى الله عليه وسلم – وبقي الاستغفار .

[ ص: 49 ] وقال ابن جرير : حدثني الحارث ، حدثنا عبد العزيز ، حدثنا أبو معشر ، عن يزيد بن رومان ومحمد بن قيس قالا قالت قريش بعضها لبعض : محمد أكرمه الله من بيننا ( اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ) فلما أمسوا ندموا على ما قالوا ، فقالوا : غفرانك اللهم ! فأنزل الله – عز وجل – : ( وما كان الله [ ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله ] معذبهم وهم يستغفرون ) إلى قوله : ( ولكن أكثرهم لا يعلمون ) [ الأنفال : 34 ] .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ) يقول : ما كان الله ليعذب قوما وأنبياؤهم بين أظهرهم حتى يخرجهم ، ثم قال : ( وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ) يقول : وفيهم من قد سبق له من الله الدخول في الإيمان ، وهو الاستغفار – يستغفرون ، يعني : يصلون – يعني بهذا أهل مكة .

وروي عن مجاهد ، وعكرمة ، وعطية العوفي ، وسعيد بن جبير ، والسدي نحو ذلك .

وقال الضحاك وأبو مالك : ( وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ) يعني : المؤمنين الذين كانوا بمكة .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبد الغفار بن داود ، حدثنا النضر بن عربي [ قال ] قال ابن عباس : إن الله جعل في هذه الأمة أمانين لا يزالون معصومين مجارين من قوارع العذاب ما داما بين أظهرهم : فأمان قبضه الله إليه ، وأمان بقي فيكم ، قوله : ( وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون )

قال أبو صالح عبد الغفار : حدثني بعض أصحابنا ، أن النضر بن عربي حدثه هذا الحديث ، عن مجاهد ، عن ابن عباس .

وروى ابن مردويه وابن جرير ، عن أبي موسى الأشعري نحوا من هذا وكذا روي عن قتادة وأبي العلاء النحوي المقرئ .

وقال الترمذي : حدثنا سفيان بن وكيع ، حدثنا ابن نمير ، عن إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر ، عن عباد بن يوسف ، عن أبي بردة بن أبي موسى ، عن أبيه قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : أنزل الله علي أمانين لأمتي : ( وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ) فإذا مضيت ، تركت فيهم الاستغفار إلى يوم القيامة

ويشهد لهذا ما رواه الإمام أحمد في مسنده ، والحاكم في مستدركه ، من حديث عبد الله بن وهب : أخبرني عمرو بن الحارث ، عن دراج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد ، أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – [ ص: 50 ] قال : إن الشيطان قال : وعزتك يا رب ، لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم . فقال الرب : وعزتي وجلالي ، لا أزال أغفر لهم ما استغفروني .

ثم قال الحاكم : صحيح الإسناد ولم يخرجاه .

وقال الإمام أحمد : حدثنا معاوية بن عمرو ، حدثنا رشدين – هو ابن سعد – حدثني معاوية بن سعد التجيبي ، عمن حدثه ، عن فضالة بن عبيد ، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال : العبد آمن من عذاب الله ما استغفر الله ، عز وجل .

الكلمات المفتاحية: