مواضيعالاسلامتفسير القرآن الكريمتفسير قوله تعالى ” ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس “

تفسير قوله تعالى ” ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس “

بواسطة : admin | آخر تحديث : 24 مارس، 2021 | المشاهدات: 338

تفسير قوله تعالى ” ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس “

( ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط ( 47 ) وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب ( 48 ) إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم ) ( 49 ) .

يقول تعالى بعد أمره المؤمنين بالإخلاص في القتال في سبيله وكثرة ذكره ، ناهيا لهم عن التشبه بالمشركين في خروجهم من ديارهم ) بطرا ) أي : دفعا للحق ، ( ورئاء الناس ) وهو : المفاخرة والتكبر عليهم ، كما قال أبو جهل – لما قيل له : إن العير قد نجا فارجعوا – فقال : لا والله لا نرجع حتى نرد ماء بدر ، وننحر الجزر ، ونشرب الخمر ، وتعزف علينا القيان ، وتتحدث العرب بمكاننا فيها يومنا أبدا ، فانعكس ذلك عليه أجمع ؛ لأنهم لما وردوا ماء بدر وردوا به الحمام ، ورموا في أطواء بدر مهانين أذلاء ، صغرة أشقياء في عذاب سرمدي أبدي ؛ ولهذا قال : ( والله بما يعملون محيط ) أي : عالم بما جاءوا به وله ، ولهذا جازاهم على ذلك شر الجزاء لهم .

[ ص: 73 ] قال ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، والضحاك ، والسدي في قوله تعالى : ( ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ) قالوا : هم المشركون ، الذين قاتلوا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يوم بدر .

وقال محمد بن كعب : لما خرجت قريش من مكة إلى بدر ، خرجوا بالقيان والدفوف ، فأنزل الله ( ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط )

وقوله : ( وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم ) الآية ، حسن لهم – لعنه الله – ما جاءوا له وما هموا به ، وأطمعهم أنه لا غالب لهم اليوم من الناس ، ونفى عنهم الخشية من أن يؤتوا في ديارهم من عدوهم بني بكر فقال : أنا جار لكم ، وذلك أنه تبدى لهم في صورة سراقة بن مالك بن جعشم ، سيد بني مدلج ، كبير تلك الناحية ، وكل ذلك منه ، كما قال [ الله ] تعالى عنه : ( يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا ) [ النساء : 120 ] .

قال ابن جريج قال ابن عباس في هذه الآية : لما كان يوم بدر سار إبليس برايته وجنوده مع المشركين ، وألقى في قلوب المشركين أن أحدا لن يغلبكم ، وإني جار لكم . فلما التقوا ، ونظر الشيطان إلى إمداد الملائكة ، ( نكص على عقبيه ) قال : رجع مدبرا ، وقال : ( إني أرى ما لا ترون ) الآية .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قال : جاء إبليس يوم بدر في جند من الشياطين ، معه رايته ، في صورة رجل من بني مدلج ، والشيطان في صورة سراقة بن مالك بن جعشم ، فقال الشيطان للمشركين : ( لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم ) فلما اصطف الناس أخذ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قبضة من التراب فرمى بها في وجوه المشركين ، فولوا مدبرين وأقبل جبريل ، عليه السلام ، إلى إبليس ، فلما رآه – وكانت يده في يد رجل من المشركين – انتزع يده ثم ولى مدبرا هو وشيعته ، فقال الرجل : يا سراقة ، أتزعم أنك لنا جار ؟ فقال : ( إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب ) وذلك حين رأى الملائكة .

وقال محمد بن إسحاق : حدثني الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ؛ أن إبليس خرج مع قريش في صورة سراقة بن مالك بن جعشم ، فلما حضر القتال ورأى الملائكة ، نكص على عقبيه ، وقال : ( إني بريء منكم ) فتشبث الحارث بن هشام فنخر في وجهه ، فخر صعقا ، فقيل له : ويلك يا سراقة ، على هذه الحال تخذلنا وتبرأ منا . فقال : ( إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب )

وقال محمد بن عمر الواقدي : أخبرني عمر بن عقبة ، عن شعبة – مولى ابن عباس – عن ابن [ ص: 74 ] عباس قال : لما تواقف الناس أغمي على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ساعة ثم كشف عنه ، فبشر الناس بجبريل في جند من الملائكة ميمنة الناس ، وميكائيل في جند آخر ميسرة الناس ، وإسرافيل في جند آخر ألف . وإبليس قد تصور في صورة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي ، يدبر المشركين ويخبرهم أنه لا غالب لهم اليوم من الناس . فلما أبصر عدو الله الملائكة ، نكص على عقبيه ، وقال : ( إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون ) فتشبث به الحارث بن هشام ، وهو يرى أنه سراقة لما سمع من كلامه ، فضرب في صدر الحارث ، فسقط الحارث ، وانطلق إبليس لا يرى حتى سقط في البحر ، ورفع ثوبه وقال : يا رب ، موعدك الذي وعدتني .

وفي الطبراني عن رفاعة بن رافع قريب من هذا السياق وأبسط منه ذكرناه في السيرة .

وقال محمد بن إسحاق : حدثني يزيد بن رومان ، عن عروة بن الزبير قال : لما أجمعت قريش المسير ذكرت الذي بينها وبين بني بكر من الحرب ، فكاد ذلك أن يثنيهم ، فتبدى لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي – وكان من أشراف بني كنانة – فقال : أنا جار لكم أن تأتيكم كنانة بشيء تكرهونه ، فخرجوا سراعا .

قال محمد بن إسحاق : فذكر لي أنهم كانوا يرونه في كل منزل في صورة سراقة بن مالك لا ينكرونه ، حتى إذا كان يوم بدر والتقى الجمعان ، كان الذي رآه حين نكص الحارث بن هشام – أو : عمير بن وهب – فقال : أين ، أي سراق ؟ ومثل عدو الله فذهب – قال : فأوردهم ثم أسلمهم – قال : ونظر عدو الله إلى جنود الله ، قد أيد الله بهم رسوله والمؤمنين فانتكص على عقبيه ، وقال : ( إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون ) وصدق عدو الله ، وقال : ( إني أخاف الله والله شديد العقاب ) وهكذا روي عن السدي ، والضحاك ، والحسن البصري ، ومحمد بن كعب القرظي ، وغيرهم ، رحمهم الله .

وقال قتادة : وذكر لنا أنه رأى جبريل ، عليه السلام ، تنزل معه الملائكة ، فعلم عدو الله أنه لا يدان له بالملائكة فقال : ( إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله ) وكذب عدو الله ، والله ما به مخافة الله ، ولكن علم أنه لا قوة له ولا منعة ، وتلك عادة عدو الله لمن أطاعه واستقاد له ، حتى إذا التقى الحق والباطل أسلمهم شر مسلم ، وتبرأ منهم عند ذلك .

قلت : يعني بعادته لمن أطاعه قوله تعالى : ( كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله ) [ الحشر : 16 ] ، وقوله تعالى : [ ص: 75 ] ( وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم 4 75 وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم ) [ إبراهيم : 22 ] .

وقال يونس بن بكير ، عن محمد بن إسحاق : حدثني عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم ، عن بعض بني ساعدة قال : سمعت أبا أسيد مالك بن ربيعة بعدما أصيب بصره يقول : لو كنت معكم الآن ببدر ومعي بصري ، لأخبرتكم بالشعب الذي خرجت منه الملائكة لا أشك ولا أتمارى .

فلما نزلت الملائكة ورآها إبليس ، وأوحى الله إليهم : أني معكم فثبتوا الذين آمنوا ، وتثبيتهم أن الملائكة كانت تأتي الرجل في صورة الرجل يعرفه ، فيقول له : أبشر فإنهم ليسوا بشيء ، والله معكم ، كروا عليهم . فلما رأى إبليس الملائكة نكص على عقبيه ، وقال : ( إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون ) وهو في صورة سراقة ، وأقبل أبو جهل يحضض أصحابه ويقول : لا يهولنكم خذلان سراقة إياكم ، فإنه كان على موعد من محمد وأصحابه . ثم قال : واللات والعزى لا نرجع حتى نقرن محمدا وأصحابه في الحبال ، فلا تقتلوهم وخذوهم أخذا . وهذا من أبي جهل لعنه الله كقول فرعون للسحرة لما أسلموا : ( إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها ) [ الأعراف : 123 ] ، وكقوله ( إنه لكبيركم الذي علمكم السحر ) [ طه : 71 ] ، وهو من باب البهت والافتراء ، ولهذا كان أبو جهل فرعون هذه الأمة .

وقال مالك بن أنس ، عن إبراهيم بن أبي عبلة عن طلحة بن عبيد الله بن كريز ؛ أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : ما رئي إبليس في يوم هو فيه أصغر ولا أحقر ولا أدحر ولا أغيظ منه في يوم عرفة وذلك مما يرى من تنزل الرحمة والعفو عن الذنوب إلا ما رأى يوم بدر . قالوا : يا رسول الله ، وما رأى يوم بدر ؟ قال : أما إنه رأى جبريل ، عليه السلام ، يزع الملائكة .

هذا مرسل من هذا الوجه .

وقوله : ( إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم ) قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في هذه الآية قال : لما دنا القوم بعضهم من بعض قلل الله المسلمين في أعين المشركين ، وقلل المشركين في أعين المسلمين فقال المشركون : ( غر هؤلاء دينهم ) وإنما قالوا ذلك من قلتهم في أعينهم ، فظنوا أنهم سيهزمونهم ، لا يشكون في ذلك ، فقال الله : ( ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم )

وقال قتادة : رأوا عصابة من المؤمنين تشددت لأمر الله ، وذكر لنا أن أبا جهل عدو الله لما أشرف على محمد – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه قال : والله لا يعبدوا الله بعد اليوم ، قسوة وعتوا .

[ ص: 76 ] وقال ابن جريج في قوله : ( إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ) هم قوم كانوا من المنافقين بمكة ، قالوه يوم بدر .

وقال عامر الشعبي : كان ناس من أهل مكة قد تكلموا بالإسلام ، فخرجوا مع المشركين يوم بدر ، فلما رأوا قلة المسلمين قالوا : ( غر هؤلاء دينهم )

وقال مجاهد في قوله – عز وجل – : ( إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم ) قال : فئة من قريش : [ أبو ] قيس بن الوليد بن المغيرة ، وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة ، والحارث بن زمعة بن الأسود بن المطلب ، وعلي بن أمية بن خلف ، والعاص بن منبه بن الحجاج ، خرجوا مع قريش من مكة وهم على الارتياب فحبسهم ارتيابهم ، فلما رأوا قلة أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قالوا : ( غر هؤلاء دينهم ) حتى قدموا على ما قدموا عليه ، مع قلة عددهم وكثرة عدوهم .

وهكذا قال محمد بن إسحاق بن يسار ، سواء .

وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الحسن في هذه الآية ، قال : هم قوم لم يشهدوا القتال يوم بدر ، فسموا منافقين – قال معمر : وقال بعضهم : هم قوم كانوا أقروا بالإسلام ، وهم بمكة فخرجوا مع المشركين يوم بدر ، فلما رأوا قلة المسلمين قالوا : ( غر هؤلاء دينهم )

وقوله : ( ومن يتوكل على الله ) أي : يعتمد على جنابه ، ( فإن الله عزيز ) أي : لا يضام من التجأ إليه ، فإن الله عزيز منيع الجناب ، عظيم السلطان ، حكيم في أفعاله ، لا يضعها إلا في مواضعها ، فينصر من يستحق النصر ، ويخذل من هو أهل لذلك .

الكلمات المفتاحية: