مواضيعالاسلامتفسير القرآن الكريمتفسير قوله تعالى ” ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية “

تفسير قوله تعالى ” ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية “

بواسطة : admin | آخر تحديث : 31 مارس، 2021 | المشاهدات: 676

تفسير قوله تعالى ” ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية “

( ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله لكل أجل كتاب ( 38 ) يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ( 39 ) )

يقول تعالى : وكما أرسلناك ، يا محمد ، رسولا بشريا كذلك [ قد ] بعثنا المرسلين قبلك بشرا يأكلون الطعام ، ويمشون في الأسواق ويأتون الزوجات ، ويولد لهم ، وجعلنا لهم أزواجا وذرية ، وقد قال [ الله ] تعالى لأشرف الرسل وخاتمهم : ( قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي ) [ الكهف : 110 ] .

وفي الصحيحين : أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : ” أما أنا فأصوم وأفطر ، وأقوم وأنام ، وآكل الدسم وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني ” .

وقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد ، أنبأنا الحجاج بن أرطاة عن مكحول قال : قال أبو أيوب : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : ” أربع من سنن المرسلين : التعطر ، والنكاح ، والسواك ، والحناء ” .

وقد رواه أبو عيسى الترمذي ، عن سفيان بن وكيع عن حفص بن غياث ، عن الحجاج ، عن مكحول ، عن أبى الشمال عن أبي أيوب . . . فذكره ، ثم قال : وهذا أصح من الحديث الذي لم يذكر فيه أبو الشمال .

وقوله : ( وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله ) أي : لم يكن يأتي قومه بخارق إلا إذا أذن له فيه ، ليس ذلك إليه ، بل إلى الله ، عز وجل ، يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد .

( لكل أجل كتاب ) أي : لكل مدة مضروبة كتاب مكتوب بها ، وكل شيء عنده بمقدار ، ( ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير ) [ الحج : 70 ] .

وكان الضحاك بن مزاحم يقول في قوله : ( لكل أجل كتاب ) أي : لكل كتاب أجل يعني لكل كتاب أنزله من السماء مدة مضروبة عند الله ومقدار معين ، فلهذا يمحو ما يشاء منها ويثبت ، يعني حتى نسخت كلها بالقرآن الذي أنزله الله على رسوله ، صلوات الله وسلامه عليه .

وقوله : ( يمحو الله ما يشاء ويثبت ) اختلف المفسرون في ذلك ، فقال الثوري ، ووكيع ، وهشيم ، [ ص: 469 ] عن ابن أبي ليلى ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : يدبر أمر السنة ، فيمحو ما يشاء ، إلا الشقاء والسعادة ، والحياة والموت . وفي رواية : ( يمحو الله ما يشاء ويثبت ) قال : كل شيء إلا الحياة والموت ، والشقاء والسعادة فإنهما قد فرغ منهما .

وقال مجاهد : ( يمحوا الله ما يشاء ويثبت ) إلا الحياة والموت ، والشقاء والسعادة ، فإنهما لا يتغيران .

وقال منصور : سألت مجاهدا فقلت : أرأيت دعاء أحدنا يقول : اللهم ، إن كان اسمي في السعداء فأثبته فيهم ، وإن كان في الأشقياء فامحه عنهم واجعله في السعداء . فقال : حسن . ثم لقيته بعد ذلك بحول أو أكثر ، فسألته عن ذلك ، فقال : ( إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم ) [ الدخان : 3 ، 4 ] قال : يقضي في ليلة القدر ما يكون في السنة من رزق أو مصيبة ، ثم يقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء ، فأما كتاب الشقاوة والسعادة فهو ثابت لا يغير .

وقال الأعمش ، عن أبي وائل شقيق بن سلمة : إنه كان يكثر أن يدعو بهذا الدعاء : اللهم ، إن كنت كتبتنا أشقياء فامحه ، واكتبنا سعداء ، وإن كنت كتبتنا سعداء فأثبتنا ، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب . رواه ابن جرير .

وقال ابن جرير أيضا : حدثنا عمرو بن علي ، حدثنا معاذ بن هشام ، حدثني أبي ، عن أبي حكيمة عصمة ، عن أبي عثمان النهدي; أن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – قال وهو يطوف بالبيت وهو يبكي : اللهم ، إن كنت كتبت علي شقوة أو ذنبا فامحه ، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت ، وعندك أم الكتاب ، فاجعله سعادة ومغفرة .

وقال حماد عن خالد الحذاء ، عن أبي قلابة عن ابن مسعود أنه كان يدعو بهذا الدعاء أيضا .

ورواه شريك ، عن هلال بن حميد ، عن عبد الله بن عكيم ، عن ابن مسعود ، بمثله .

وقال ابن جرير : حدثني المثنى ، حدثنا حجاج ، حدثنا خصاف ، عن أبي حمزة ، عن إبراهيم; أن كعبا قال لعمر بن الخطاب : يا أمير المؤمنين ، لولا آية في كتاب الله لأنبأتك بما هو كائن إلى يوم القيامة . قال : وما هي ؟ قال : قول الله تعالى : ( يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ) .

ومعنى هذه الأقوال : أن الأقدار ينسخ الله ما يشاء منها ، ويثبت منها ما يشاء ، وقد يستأنس لهذا القول بما رواه الإمام أحمد : [ ص: 470 ]

حدثنا وكيع ، حدثنا سفيان ، وهو الثوري ، عن عبد الله بن عيسى ، عن عبد الله بن أبي الجعد ، عن ثوبان قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : ” إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ، ولا يرد القدر إلا الدعاء ، ولا يزيد في العمر إلا البر ” .

ورواه النسائي وابن ماجه ، من حديث سفيان الثوري ، به .

وثبت في الصحيح أن صلة الرحم تزيد في العمر وفي الحديث الآخر : ” إن الدعاء والقضاء ليعتلجان بين السماء والأرض ” .

وقال ابن جرير : حدثني محمد بن سهل بن عسكر ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس قال : إن لله لوحا محفوظا مسيرة خمسمائة عام ، من درة بيضاء لها دفتان من ياقوت – والدفتان لوحان – لله ، عز وجل [ كل يوم ثلاثمائة ] وستون لحظة ، يمحو ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب .

وقال الليث بن سعد ، عن زياد بن محمد ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن فضالة بن عبيد ، عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : ” [ إن الله ] يفتح الذكر في ثلاث ساعات يبقين من الليل ، في الساعة الأولى منها ينظر في الذكر الذي لا ينظر فيه أحد غيره ، فيمحو ما يشاء ويثبت ” . وذكر تمام الحديث . رواه ابن جرير .

وقال الكلبي : ( يمحوا الله ما يشاء ويثبت ) قال : يمحو من الرزق ويزيد فيه ، ويمحو من الأجل ويزيد فيه . فقيل له : من حدثك بهذا ؟ فقال : أبو صالح ، عن جابر بن عبد الله بن رئاب ، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – ثم سئل بعد ذلك عن هذه الآية فقال : يكتب القول كله ، حتى إذا كان يوم الخميس ، طرح منه كل شيء ليس فيه ثواب ولا عقاب ، مثل قولك : أكلت وشربت ، دخلت وخرجت ونحوه من الكلام ، وهو صادق ، ويثبت ما كان فيه الثواب ، وعليه العقاب .

وقال عكرمة ، عن ابن عباس : الكتاب كتابان : فكتاب يمحو الله منه ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب .

وقال العوفي ، عن ابن عباس في قوله : ( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ) يقول : هو [ ص: 471 ] الرجل يعمل الزمان بطاعة الله ، ثم يعود لمعصية الله فيموت على ضلالة ، فهو الذي يمحو ، والذي يثبت : الرجل يعمل بمعصية الله ، وقد كان سبق له خير حتى يموت وهو في طاعة الله ، وهو الذي يثبت .

وروي عن سعيد بن جبير : أنها بمعنى : ( فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير ) [ البقرة : 284 ] .

وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( يمحو الله ما يشاء ويثبت ) يقول : يبدل ما يشاء فينسخه ، ويثبت ما يشاء فلا يبدله ، ( وعنده أم الكتاب ) يقول : وجملة ذلك عنده في أم الكتاب ، الناسخ والمنسوخ ، وما يبدل ، وما يثبت كل ذلك في كتاب .

وقال قتادة في قوله : ( يمحو الله ما يشاء ويثبت ) كقوله ( ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ) [ البقرة : 106 ]

وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : ( يمحو الله ما يشاء ويثبت ) قال : قالت كفار قريش حين أنزلت : ( وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله ) ما نراك يا محمد تملك من شيء ، ولقد فرغ من الأمر . فأنزلت هذه الآية تخويفا ، ووعيدا لهم : إنا إن شئنا أحدثنا له من أمرنا ما شئنا ، ونحدث في كل رمضان ، فنمحو ونثبت ما نشاء من أرزاق الناس ومصائبهم ، وما نعطيهم ، وما نقسم لهم .

وقال الحسن البصري : ( يمحو الله ما يشاء ) قال : من جاء أجله ، فذهب ، ويثبت الذي هو حي يجري إلى أجله .

وقد اختار هذا القول أبو جعفر بن جرير ، رحمه الله .

وقوله : ( وعنده أم الكتاب ) قال : الحلال والحرام .

وقال قتادة : أي جملة الكتاب وأصله .

وقال الضحاك : ( وعنده أم الكتاب ) قال : كتاب عند رب العالمين .

وقال سنيد بن داود ، حدثني معتمر ، عن أبيه ، عن سيار ، عن ابن عباس; أنه سأل كعبا عن ” أم الكتاب ” ، فقال : علم الله ، ما هو خالق ، وما خلقه عاملون ، ثم قال لعلمه : ” كن كتابا ” . فكانا كتابا .

وقال ابن جرير ، عن ابن عباس : ( وعنده أم الكتاب ) قال : الذكر ، [ والله أعلم ] .

الكلمات المفتاحية: