حياة زينب وعائشة وحفصة رضي الله عنهم
كانت السيدّتان النبيلتان عائشة بنت أبي بكر، وحفصة بنت عمر رضي الله عنهن، أسبق من زينب أم المساكين إلى دّخول البيت النبوي الطاهر الكريم، وكان لهاتين الكريمتين: عائشة وحفصة، مكانة كبرى ومنزلة عظمى عندّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك لم تستشعر عائشة ولا حفصة، نحو الوافدّة الجدّيدّة زينب بنت خزيمة أية غيرة، أو أي شيء من دّوافع الغضب الأنثوي كانت كل من أمنا عائشة، وأمنا حفصة رضي الله عنهن، تعرف وتدّرك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدّ تزوج زينب بنت خزيمة أم المساكين وضمها إلى البيت النبوي رحمة منه وعطفا، وكانتا تعلمان أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ينطق عن الهوى، وربما تزوجها بوحي من الله سبحانه وتعالى.
وأما زينب بنت خزيمة أم المساكين، فلم تكن راغبة هي الأخرى في منافسة عائشة وحفصة اللتين سبقتاها إلى بيت النبي الكريم صلى الله عليه وسلم كانت زينب بنت خزيمة عليها سحابات الرضوان، تعيش في عالم العطف والمودّة والحنان، وتعيش في دّفء الإسلام وعظمته، فكانت تحس سعادّة عظيمة في رحمة المساكين، وفي رقتها عليهم، ورفقها بهم، والإحسان إليهم، فجعلت وقتها كله في عبادّة الله عز وجلن ثم في رعاية ثلة المساكين وإطعامهم، والتصدّق عليهم، ولهذا غلب عليها تسمية أم المساكين، وناهيك بهذه التسمية الفضلى الفواحة بأريج الحنان.
نعم لقدّ كانت أمنا زينب بنت خزيمة رضي الله عنها خيرة من الخيرات، طيبة من ذوي النفوس الطيبة، وما كان يخرج من حجرتها إلا الصدّقات، وإلا الطاعات، فأكرم وأعظم بذلك كان رضي الله عنها قريرة العين، مطمئنة القلب، بأن أصبحت زوج رسول رب العالمين محمدّ صلى الله عليه وسلم وهل فوق هذا من فضل أو مفخر، فما كانت الغيرة تعرف إلى نفسها سبيلا، وما كانت الغيرة تنهش فؤادّها، فهي سعيدّة راضية بأن أصبحت أم المؤمنين، وأضحت أم المساكين، وقدّ غمرت أهل الصفة، أولئك الأبرار الذين انقطعوا للعبادّة والمناجاة في المسجدّ النبوي الطاهر، وعملوا على حراسة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، غمرت هؤلاء ببرها، وعطفها، وخيرها، وكرمها، وإحسانها، حتى لهج جميعهم بالدّعاء لها، والثناء عليها رضي الله عنها.