محتويات المقال
تولى الحكم بعد أخيه في أواخر عام 1277هـ, وفي عهده تفجرت ثورة في جزيرة كريت وأخمدت عام 1283هـ/1863م.
وتم فتح قناة السويس عام 1285هـ/1869م، وصدرت مجلة الأحكام العدلية وقانون التجارة البحرية في أوائل عهده، وزار أوربا وفكر في الاستفادة من خلاف الدول الأوربية فيما بينها، لكنه وجد أنها تتفق جميعها ضد الدولة لأنها دولة إسلامية، ولم يستطع الأوربيون أن ينسوا الحقد الصليبي المغروس في نفوسهم، غير أنهم كانوا يختلفون فيما بينهم حسب مصالحهم الخاصة.
وكانت الدول الأوربية عازمة على الضغط على الحكومة العثمانية للاستمرار في خطوات الإصلاح والنهوض المزعوم على النهج الغربي، والفكر الأوربي، والمبادئ العلمانية وأكد السلطان عبد العزيز عزمه على مواصلة السير في الطريق الذي سلكه أبوه محمود الثاني وأخوه عبد المجيد، فأبقى على كل أصحاب المناصب من المتكلفين بتنفيذ الإصلاحات.
وكان من أهم الإصلاحات الإدارية في عهده – صدور قانون الولايات عام ( 1281هـ/1864م )، وفي مجال الإدارة أيضاً أنشئت محكمة عليا قضائية ( ديوان الأحكام العدلية ). كما أنشئ عام ( 1285هـ/1868م ) مجلس للدولة على النسق الفرنسي سمي شواري دولت أي مجلس شورى الدولة، وكان من أهم اختصاصاته مناقشة الميزانية.
– أما في مجال التعليم، فقد أسست مدرسة ثانوية عام 1285هـ/1868م هي مدرسة غلطة سراي ، كان برنامج الدراسة فيها خيراً من برامج المدارس الثانوية الأخرى، وكانت كل المواد التي تدرس فيها باللغة الفرنسية فيما عدا اللغة التركية. وكانت الغاية من إنشائها هي تخريج طائفة من الشباب القادر على حمل عبء الوظائف العامة وكان هؤلاء الشباب من مختلف الديانات، فالأغلبية من المسلمين، ولكن كان بها اليونان والأرمن، وهم نصارى، كما كان بها أعداد من اليهود. والواقع أن الطلاب قد أقبلوا على هذه المدرسة حتى بلغ عددهم عام 1869م ستمائة طالب مسلمين ونصارى ويهود.
ورغم هذه الخطوات الإصلاحية التي تمت في عهد السلطان عبدا لعزيز، إلا أن الدول الأوروبية لم تعتبرها كافية لتنهض دليلاً على أن الدولة العثمانية إنما تريد الإصلاح، وتعمل لتحسين رعاياها النصارى، ولإزالة المفاسد التي استشرت في نظام الإدارة والحكومة، وهي مفاسد كانت في نظر الكثير من المعاصرين الأوروبيين تهدد بانهيار الدولة في النهاية.
وكان رأي فريق كبير من الإنجليز وغيرهم من المعاصرين، أن زوال الدولة العثمانية قد بات ضرورياً، حيث إنها قد فشلت في الأخذ بأسباب الإصلاح الأوروبي، فقال لورد كلارندون وزير الخارجية البريطانية في عام 1865م: إن الطريقة الوحيدة لإصلاح أحوال العثمانيين هي بإزالتهم من على سطح الأرض كلية وهذا يؤكد حقد النصارى على الدولة العثمانية المجاهدة لأنها هزمتهم منذ فتح القسطنطينية.
لقد فشلت الدولة العثمانية في الأخذ بأسباب الإصلاح الأوروبي لانعدام كل صلة بين المبادئ الأوروبية وبين مبادئ الدولة العثمانية المستمدة من كتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – عزل السلطان عبد العزيز كان السلطان عبدا لعزيز قد زار أوروبا، ورأى اتفاق وتآمر الدول الأوروبية على الدولة العثمانية، فحاول أن يستفيد من الخلاف القائم على المصالح بين دول أوربا الغربية وروسيا لمصلحة الدولة العثمانية، فبدأ يكثر من دعوة السفير الروسي، إلى استنبول فخافت الدول الأوروبية، وبدأت تشيع الشائعات عنه في التبذير والإسراف واستطاع مدحت باشا أن يعزله ثم قام مع عصابته بقتله في عام ( 1293هـ/1876م ). إن مدحت باشا كان من يهود الدونمة روجت له الدعاية الماسونية في أنحاء الشرق العربي والغربي على أنه البطل العظيم حامل لواء الإصلاح والحرية في السلطنة العثمانية، وسمّته ( أبو الدستور ). وسخّر له أبواب دعايتها من صحف ومجلات وإذاعات، فوصل بذلك إلى أعلى الرتب منها باشوية سوريا والعراق، ومنصب الصدر الأعظم الذي يعتبر أكبر الرتب في السلطنة العثمانية.
ثم بدأ بعد ذلك يدس ويخرّب كما تملي عليه يهوديته وماسونيته، ويغمز دائماً بالتعاون مع الماسونية إلى مساوئ الحكم وخاصة حكم السلطان عبدا لحميد عدوّ الماسونية الأكبر – الذي لم يترك ثقباً من بصيص أمل لليهود في فلسطين إلا وسدّه، ثم أسس مدحت باشا ويهود الدونمة الماسونية العالمية حوله جمعية الاتحاد والترقي التي حملت نفس شعار الماسونية وجعلت مقرها بسلانيك وانكشفت جوانب من هذا اليهودي للسلطان عبدا لحميد فألقى القبض عليه وعزله ونفاه فيما بعد. كان سبب مقتل السلطان عبد العزيز – رفضه للدساتير الغربية برمتها، وكذلك العادات الغربية البعيدة عن البيئة الإسلامية.
– وتمكنه من إصلاح أحوال الدولة العثمانية إلى درجة كبيرة، وخاصة في المجال العسكري، حيث قوّى الجيش، واستبدل الأسلحة القديمة بأخرى حديثة، واستورد ما يلزم من السلاح من أفضل مصانع السلاح في أوربا. – ووضع التنسيقات العسكرية على الطراز الحديث، وشكَّل الفرق العسكرية لأبناء العشائر والقبائل من كافة الولايات، وسلّح القلاع والحصون بأضخم وأحدث المدافع، فأصبحت مدفعية الدولة العثمانية يضرب بها المثل في التقدم، وأصلح دار المدفعية الطوبخانة وأدخل فيها المعدات والآلات الحديثة، حتى صار بإمكانها صنع كافة الأسلحة على الطراز الجديد.
– كما قام بإصلاحات في مجال البحرية وأحل الخبراء العثمانيين محل الخبراء الأجانب رغم اعتراض هؤلاء ودولهم، وأصبحت في عهده الدولة العثمانية من الدول البحرية الأولى في العالم.
وعمل على إرسال البعثات البحرية إلى الخارج، واشترى المدرعات. -وشيد عدة معامل لصنعها ولصنع الآلات والمراجل، وعادت دار صناعة إزميت إلى ما كان لها من مجد، كما أصلح الكثير من أحواض السفن، وأسس مجلة الأحكام العدلية.
– وعمل على إحقاق الحق، وحوكم كبار الحكام، أمثال خسرو باشا و عاكف باشا و طاهر باشا وبذلك ظهر للعموم حبّه للعدل والإصلاح وهذا لا يرضي الدول الأوروبية ولا تقبل به لأنها تريد أن يسود الظلم حتى تنهار الدولة بسرعة.
– وقام بإصلاحات مالية، وأمر بوضع ميزانية منضبطة وألغيت القوائم المالية، وسوّت بذلك الدولة جميع ديونها، وأصبحت المعاملة بالنفوذ وانتظمت الأحوال المالية، لقد هال الدول الأوروبية رؤية ما حدث على يد هذا السلطان في وقت قصير، فتعرقلت مخططاتهم في القضاء على الرجل المريض، لذا رأوا تدبير مؤامرة خلعه ثم قتله.
– إن جذور المؤامرة في مقتل السلطان عبدا لعزيز ترجع إلى تخطيط مدروس من قبل القناصل وممثلي الدول الأوروبية في العاصمة العثمانية وقاموا بتنفيذها عن طريق عملائهم ممن تشربوا بأفكارهم من رجال الدولة وعلى رأسهم صنيعة الماسونية المدعو مدحت باشا الذي اعترف أثناء محاكمته باشتراكه في عزل وقتل السلطان عبدا لعزيز، وهذا أمر معروف تاريخياً ومدّون في الوثائق.